السجل الأسود للقهوة!

TT

قبل أيام ألقت الشرطة البريطانية في مدينة «هل» القبض على طالب سعودي بتهمة حيازة مخدرات في ثلاجة منزله، وبعد الاستجواب والتوقيف والتحاليل تم إطلاق سراحه بعد اكتشاف أن البودرة التي وجدت داخل كيس في ثلاجه منزله لم تكن سوى قهوة عربية مطحونة!

ما حدث للطالب السعودي عمّق قناعتي بالسجل الأسود للقهوة، الذي اختلفت حوله ذات مقال مع رئيس التحرير، حينما كتبت بأن القهوة منذ نشأتها، حتى اللحظة لا يأتي من ورائها سوى وجع الرأس، سارداً تاريخها الأسود القديم يوم كان رجال الحسبة يكسرون أوانيها الفخارية على رؤوس شاربيها، وصانعيها، الأمر الذي اضطر عشاقها في تلك الأيام إلى تناولها في المخابئ وأقبية البيوت.

ولا أنسى ذلك اليوم الذي وضعت فيه ساقاً على ساق في أحد مقاهي أثينا طالباً من النادل فنجانا من القهوة التركي، وكانت العلاقة بين تركيا واليونان في قمة توتراتها، يومها برم النادل اليوناني شاربه، وكشر عن أنيابه، وقد احمرت أطراف عينيه، وهو يقول: «ليس لدينا قهوة تركية، ولم نسمع بها من قبل»، ثم استطرد قائلا: «إن اسمها القهوة الإغريقية»، وأذعنت لأوامره، وطلبتها إغريقية، وإن كنت قد نويت في داخلي أن أتعامل معها وفق الجنسية التي أريدها!

ومنذ ذلك التاريخ البعيد انتقلت إلى فريق الشاي البريء المسالم الذي لا علاقة له بالسياسة، الذي يمكنك أن تشربه في كل مكان من هذه الدنيا من دون أن يتسبب لك في أي مشكلة على عكس القهوة المشاكسة، المشاغبة، المستفزة، التي من أبرز استفزازاتها ذلك الخبر الذي أذاعته الـ«بي بي سي» قبل شهرين حول التأمين على لسان الإيطالي الشاب جينارو بيليتشيا، بنحو 14 مليون دولار، كل ذلك المبلغ لأن جينارو يعتبر أشهر ذواق للقهوة في العالم، ويقوم بتذوق عينات من جميع الأصناف التي تنتجها إحدى الشركات التي يعمل لحسابها في لندن، ويدعي أنه يميز بين آلاف الأصناف، وتعتمد عليه الشركة في اختبار نكهة حبيبات البن قبل تحميصها، وإرسالها إلى مقاهي الشركة، فهل ثمة ما يمكن أن يستفز أكثر من لسان ذلك الرجل؟!

أيتها القهوة، يا شراب المثقفين، والمفكرين، والعلماء ما ذنب طالب سعودي بريء، مغترب ـ لم يصل عمره العشرين ـ أن يستجوب، ويحتجز 10 ساعات قبل أن تثبت التحاليل براءتك ـ أي القهوة ـ من أي مادة مخدرة؟! أوليس الشاي الأحمر القاني، الذي يشبه عُرف ديك «عشاري» أجمل، وأنقى، وأسلم من الشبهات؟!

[email protected]