شركاء لا سجناء

TT

كانت الدولة في الماضي تملك معظم مقومات العيش، ولذلك امتلكت معظم مقومات الحياة. كانت تملك الورق والحبر والأثير، فملكت الرأي والحرية. وكانت تملك المدارس والجامعات، فملكت التعليم. وكانت توظف أكثرية المواطنين، فملكت رغيفهم. وكانت تملك الكهرباء والمياه والطرقات والهاتف والمصارف والمطاحن والطب والسجون. وكان الإنسان يشعر أنه ملك للدولة حتى وهو يندس في فراشه لينصرف إلى النوم. بل دخلت الدولة في ألمانيا الشرقية إلى الفراش من خلال الزوج أو الزوجة.

سقطت الدولة السوفياتية وهي تعتقد أنها الأكثر أمانا لأنها الأكثر سيطرة ولأنها كانت تملك كل نسمة في حياة البشر. هي تاجر الخبز وهي تاجر السيارات وهي الطبيب المداوي. هي التي تفكر عن الناس وهي التي تصدر لثلاثمائة مليون إنسان صحيفة واحدة، وتمنحهم إذاعة واحدة وتلفزيونا واحدا ورأيا واحدا، وقد حجبت الدولة الستالينية عن مواطنيها كل شيء حتى الصلة بالله. أو بالأحرى بدأت بذلك.

لم تتنبه الدولة السوفياتية ونماذجها، إلى أنه خلال هذا الوقت كانت الدول في الجانب الآخر توزع على أهلها شركات الكهرباء والماء والهاتف. وكانت المعلومات والمعرفة تتسرب من فوق، من الأثير، لا من الأنفاق السرية. ولم يعد البشري يقف أمام البنك أسبوعا من أجل مائة روبل، بل صار البنك يأتي إليه. ولم يعد الأطفال في الصباح يغنون النشيد الأممي، بل يتناولون عصير البرتقال المليء بالفيتامين سي. ولم تعد الزوجة تقدم تقريرا بما حدثها زوجها في المساء أو بمن زاره من الرفاق. حدث تطور بشري هائل في غفلة عن الجهل الستاليني. لقد أصبح الإنسان شريكا للدولة. منحته حق الملكية وتركت لنفسها حقوق الرعاية والحماية والحراسة والسهر على القانون. قالت له اذهب وتاجر لكن لا تنس الضريبة على الأرباح. وقالت له أصدر ما شئت من الصحف لكن تذكر دوما أن القانون لا ينام ولا يتباطأ.

«الأخ الأكبر» الذي صوَّره لنا جورج أورويل، على ذلك النحو الذي لا ينسى، أصبح الأخ الحقيقي ولم تعد الحرية جريمة. ولم يعد رجلا واحدا يرسل ثلاثين مليون إنسان إلى الموت وهو يدخن غليونه، أو يغير ثيابه. لكن الدولة أيضا قالت للشريك الجديد، إياك أن تفسد هذه الشراكة. العقد يلزم فريقين لا فريقا واحدا.

إياك أن تفسر التسامح إذنا بالمخالفة، والعفو ضعفا، وحرية النشر رخصة للشتم، وحرية التعليم حرية الإباحة والتحريض، وحرية العلاج حرية الأدوية المزيفة. لا يستقيم العقد إلا بالتزام الفريقين لروحه وبنوده.