للشحاذين أيضا ظرفهم

TT

الشحاذون الذين يملأون شوارع المدينة العربية وأزقتها، ولا ينقطع طرقهم على أبواب ساكنيها يجسمون ـ خير تجسيم ـ حالة الفقر والجوع والبطالة التي يعيشها الكثير من شعوبنا. ومن هذا النمط من حياة الذل والحاجة تطور الكثير من الظرف الأدبي. وقف سائل على باب إحدى العوائل يستجدي صدقة؛ فأجابه صاحب البيت «ليس هناك أحد»؛ فأجابه المكدي «أنت أحد، لو جعل الله فيك شيئا من البركة».

وطرق آخر باب أحد البيوت يستجدي ويقول «صدقة لله، فأنا جائع». أجابه صاحب البيت «لم نخبز بعد»، قال «فكف من سويق»؛ فأجابوه «ليس عندنا سويق»؛ قال «فشربة من ماء، فإني عطشان»، قالوا «ما أتانا السقا»، قال «فيسير من الدهن أضعه على رأسي»؛ قالوا «من أين لنا الدهن؟»، فقال لهم «فما قعودكم هنا؟! قوموا واستجدوا مثلي».

كثيرا ما تصبح الحوارات بين السائل والمحسن معرضا للكثير من الظرف، كما جرى بين ذلك السائل وساكن الدار. أجابه صاحب البيت «آسف، زوجتي غير موجودة»؛ فقال الشحاذ «ما جئت طمعا فيها. جئت أطلب فقط كسرة خبز».

وقيل لصوفي «إنْ كنتَ في حاجة؛ فبع جبتك»؛ فقال «إذا باع الصياد شبكته، فكيف سيستطيع أن يصيد؟».

الشحاذة، مع الأسف والعار، جزء من حياة المجتمع العربي. ومنها، في الواقع، تفرع الكثير من نشاطنا، كطلب الرشوة من المراجع، والإحسان من السلطة، والتمسح بأبواب المسؤولين، ومدح الشعراء والأدباء لذوي الشأن، والتملق إليهم. لم تقتصر الشحاذة على طلب التصدق بالأكل، بل شملت أيضا الملابس. قرأنا كيف توسل شاعر كبير، كحافظ إبراهيم، من جاره أن يهبه «جزمة»، حذاء. وعلى غرار ذلك.. روى الرواة أن أعرابيا جاء بابنته وزوجته إلى الخليفة عمر بن الخطاب، وطلب منه إكساءهما؛ فأجابه الخليفة مازحا «فإن لم أفعل، سيكون ماذا؟»، فأجاب «إذن يا أبا حفص لأذهبنّه»، فقال «فإذا ذهبت، ماذا يكون؟»، قال «يكون عن حالي لتسألنه»، فقال عمر «متى؟»، فأجاب «يوم تكون الأعطيات جُنة، والواقف المسؤول (بينهنه)، إما إلى نار، وإما جنة».

قال الراوي «وهنا ارتعد عمر وبكى، وقال لغلامه «يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم»، فأعطاه الغلام قميصا للخليفة، وقال «والله لا يملك غيره إلا ما عليه».

وهذه حكاية أخرى مما تصور لنا مدى الفقر الذي عاشه صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

www.kishtainiat.blogspot.com