«حل الدولتين» يتجاوزهما إلى العراق وأفغانستان وإيران وباكستان!

TT

أهمية المقابلة التي أجراها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع صحيفة «التايمز» يوم الاثنين الماضي، تكمن في أنه كشف عن جدية الرئيس الأميركي باراك أوباما في العمل على حل شامل للصراع العربي ـ الإسرائيلي. والقول إن السلام إذا لم يأت، فإن حرباً ستقع في المنطقة، مثير لأنه صدر عن أحد أهم المعتدلين في المنطقة، وبلاده ترتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل.

ما قاله العاهل الأردني أساسي كونه يتعلق بالشق الخاص بالعرب وإسرائيل، لكن خطة أوباما أبعد، أو بالأحرى أوسع لأنها تشمل أفغانستان وباكستان وبالتالي الحاجة الأميركية إلى إيران.

يقول لي مصدر أميركي، إن هناك تعباً أميركياً من العراق، لكن الخطر الإيراني مخيم هناك. ثم أن الرئيس أوباما يعرف أن مصر لا تريد حرباً مع إيران إنما تريد عزلها. وقد جاء من يقول له: لعزل إيران يجب البدء بحل القضية الفلسطينية.

السعودية منزعجة من النفوذ الإيراني في العراق ومن ثم في اليمن، لهذا بدأت العلاقة السعودية ـ السورية تتحسن. قضية العراق تقلق المنطقة خصوصاً الدول العربية المجاورة له التي تتوجس مما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، حيث سيزداد النفوذ الإيراني وتعم الفوضى. الخطر في الأمر، أن معنويات الجيش الأميركي في العراق تتهاوى. وخلال الأشهر الستة الماضية قُتل ما لا يقل عن سبعة جنود أميركيين على يد زملائهم من الجنود العراقيين، وتم تكليف قوات المارينز بحماية الدوريات المشتركة. والتوقعات أن تسوء هذه العمليات وتزداد مع قرب انسحاب الأميركيين من العراق. ويدور في واشنطن نقاش حول كيفية تطور الوضع خلال الأشهر الثلاثين المقبلة، وهل أن على واشنطن أن تسرع في سحب قواتها قبل الموعد النهائي الذي حددته، لذلك يركزون على ما سيؤول إليه الوضع بعد شهر تموز (يوليو) المقبل عندما تنهي القوات الأميركية انسحابها من المدن العراقية.

بسبب العراق، وأيضا بسبب أفغانستان، ترغب واشنطن في فتح حوار مع طهران، وقد بدأته عبر طرق متعددة.

يقول محدثي: إن أوباما خائف من أن تصبح أفغانستان «فيتنامه»، وقد قيل له: لا تغرق في أفغانستان، كما غرق جون كنيدي في فيتنام، بمجرد أن تسقط في الحفرة ستبتلعك. فأوباما سينسحب من العراق، ويرسل قوات إلى أفغانستان.

قيل له: «لا تصغي إلى الجنرالات، إنهم يحبون الحرب، يجب أن تجد حلاً سياسياً في أفغانستان، وعليك لتأمين هذا الحل أن تفرض الاستقرار في باكستان. لذلك أنت في حاجة إلى إيران، والسعودية، والإمارات وتحتاج إلى روسيا أيضا».

أوباما يريد المساعدة الروسية للتأثير على إيران. الدور الروسي في إيران أهم من الدور الصيني. في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش لم تذهب واشنطن حتى آخر الطريق مع روسيا، لكن أميركا أوباما خائفة على باكستان وخائفة من أفغانستان، أما إيران ولتقديم المساعدة، فإنها تريد أن تقرر مصير المنطقة مع أميركا، هذا يقلق الدول الخليجية والعربية من أن تتم الصفقة على حسابهم، لذلك جاءت زيارة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى مصر والسعودية لطمأنتهما بأن هذا لن يحدث، وأن أميركا ستدعو إلى مؤتمر إقليمي بخصوص العراق يضم إلى جانبها، السعودية، وتركيا، وسورية وإيران. لكل ما تقدم، لا بد من استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط، لكن إذا حصل هذا، هل ستقف إيران مع السلام أم ضده؟ هنا يأتي الدور السوري الذي هو نشط أيضا في العراق وفلسطين.

أيضا، إذا عارضت سورية أي سلام فلسطيني ـ إسرائيلي فإنه لن ينجح، لأن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ضعيف. سورية تجلس منتظرة أن يعود الوسيط التركي إلى تحركه، لكن تبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد أن تتدخل تركيا، إنما يريد تدخلاً مباشراً من أميركا. إذ، بعد أحداث غزة، ومشاركة تركيا في مؤتمر الدوحة الذي حضرته إيران وقاطعته الجامعة العربية، وتسويق تركيا لـ«حماس»، وقيامها بمناورات عسكرية مشتركة مع سورية، صارت إسرائيل ترفض إعطاءها هذه الورقة.

سورية تقول دائما إنها تريد مشاركة أميركا، وإذا جاءتها هذه المشاركة عن طريق الشرط الإسرائيلي فإنها لن ترفض. يصل نتنياهو إلى واشنطن يوم 18 الجاري، وقد سبقته مواقفها الجديدة. نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمته أمام لجنة العلاقات الخارجية الأميركية ـ الإسرائيلية (إيباك) قال الأسبوع الماضي: «على إسرائيل العمل لحل قائم على الدولتين. لن يعجبكم ما سأقوله، إنما توقفوا عن بناء المستوطنات، فككوا تلك التجمعات المؤقتة واسمحوا للفلسطينيين بحرية التحرك».

في اليوم نفسه قال روز غوتمولر مساعد وزير الخارجية الأميركية في اجتماع في الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية: «إن التزام الهند، وإسرائيل، وباكستان وكوريا الشمالية باتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية يبقى هدف أميركا الأساسي». جاءت تسميته لإسرائيل بمثابة تحول جذري في التوجه الأميركي. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيم جونس عبر محطة «إي بي سي» الأميركية: «إن حل الدولتين هو الهدف، وإذا أرادت إسرائيل عزل إيران وحماية نفسها فإن الطريق إلى ذلك يكون بإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي».

يقول المصدر الأميركي، إن أوباما سيطرح رؤيته على نتنياهو، فإذا وقعت مشكلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأميركي، فإن الأول سيتراجع وليس الرئيس الأميركي.

دور بايدن مهم، وكذلك دور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فالاثنان من أصدقاء إسرائيل. ثم لا يوجد رئيس وزراء إسرائيلي قادر على أن يختلف مع أميركا، فهي الحليف الحقيقي الوحيد لإسرائيل، وتستطيع إسرائيل أن ترفض السلام عندما تكون أميركا إلى جانبها، لكن لأميركا الآن مشاكلها الكثيرة.

يقول محدثي: إذا أوقفت إسرائيل المستوطنات، ستطلب واشنطن من العرب شيئاً في المقابل. واشنطن شجعت المبادرة العربية، لكن العملية السلمية تحتاج إلى سنوات، وأمام العرب 18 شهراً فقط لأنه بعد ذلك تدخل الولايات المتحدة في حمى انتخابات الكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010. وكان العاهل الأردني اقترح في حديثه إلى «التايمز» أن تسمح الدول العربية لطائرات العال الإسرائيلية بعبور أجوائها، وتقديم تأشيرات دخول للسياح الإسرائيليين. لكن، ماذا لو أقدمت إسرائيل على قصف إيران من دون إبلاغ أميركا، واشتعلت الحرب؟ يؤكد محدثي: أن أميركا ستقول لإسرائيل: أنت لوحدك في هذه الحرب ولن تتكرر تجربة 1973. ويضيف: ستكون الضربة عملية انتحارية بالنسبة لإسرائيل وأسوأ من أزمة قناة السويس عام 1956 على زمن الرئيس دوايت أيزنهاور، لأن أسعار النفط ستعود إلى الارتفاع، وتدخل أميركا في الركود، ثم أن أميركا بصدد أن تعرف أي صفقة تنوي إيران عقدها معها. أميركا تدرس نوع وكمية الحوافز التي ستعرضها على إيران لاحقاً.

يقول المصدر الأميركي: إن العالم تغير وأميركا تغيرت، ولو بدأت إسرائيل أو حلفاؤها في مهاجمة أوباما، فإنهم سيواجَهون بردة فعل عميقة لدى السود الأميركيين ترعب اليهود الأميركيين. وضع إسرائيل ليس سهلاً، لهذا على العرب أن يستغلوا هذا الأمر ويقولوا لأوباما إنهم على استعداد للعمل معه «نحن شركاؤك». ويضيف: هذه فرصة مع أميركا لم تتوفر منذ عام 1948، ثم أن المجموعة المحيطة بأوباما تتطلع إلى مصلحة أميركا.

الاتصالات الأميركية بسورية ستبدأ بعد الانتخابات اللبنانية، وبإيران ستبدأ في شهر أكتوبر (تشرين الأول). بين التوقيتين ستمر فترة خطيرة جدا، خصوصاً إذا ما انطلق قطار السلام الشامل وقبلت به إسرائيل مضطرة، وتوجست منه إيران، لاعتقادها بأنه سيؤدي إلى عزلها ودفعها لتقديم تنازلات في العراق وأفغانستان. وهنا تعود الورقة اللبنانية إلى التمايل. إذا هل هي صدفة أن يتزامن اكتشاف شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان مع إبلاغ حكومات عدد من الدول المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات في الجنوب، الدولة اللبنانية بأنها تستعد لسحب قواتها من هناك في نهاية شهر مايو (أيار) الحالي ـ الدولة اللبنانية طلبت منها تأجيل الانسحاب إلى نهاية يونيو (حزيران) ـ بحيث يصبح عدد القوات 5 آلاف، فيغري الأمر «حزب الله» لملء الفراغ؟ هل أن اكتشاف شبكات التجسس فخ ساهمت فيه إسرائيل لإعادة جر «حزب الله» إلى الجنوب بحيث يخرق القرار الدولي 1701، وترى هي بذلك تبريراً لضربة أو لافتعال حرب مع لبنان لتهرب من ضغوط عملية السلام، وتضع الإدارة الأميركية أمام واقع جديد؟

في هذه المرحلة الحساسة هناك حاجة ضرورية للوعي في لبنان وعدم الغرق في «الإبادة الانتخابية»؟