نتنياهو.. إما الاستجابة لمتطلبات السلام أو الذهاب لانتخابات جديدة!

TT

الدعوة التي أطلقها مجلس الأمن الدولي مساء الاثنين الماضي، والتي جاءت في هيئة بيان رئاسي غير ملزم، لبذل مساعٍ دبلوماسية حثيثة من أجل تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط يستند إلى حل الدولتين انطلاقا من الالتزامات والاتفاقات السابقة تعتبر ردا على المواقف المتشددة التي كان أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال مما قاله فيها إن إسرائيل لا يمكن أن تنسحب من هضبة الجولان السورية لأن الاحتفاظ بها يشكل ضمانة استراتيجية لأمن الدولة الإسرائيلية.

ويبدو أن الأميركيين قد أدركوا أن خطوتهم المستغربة بتجديد العقوبات السابقة على سوريا في هذا الظرف الدقيق وفي هذه المرحلة الحساسة والحرجة هي التي شجعت بنيامين نتنياهو على إظهار المزيد من التشدد إن لجهة مسألة الانسحاب من هضبة الجولان السورية وإن لجهة حل الدولتين الذي غدا مطلبا أميركيا ودوليا والذي بات يشكل جوهر الموقف العربي إزاء الحل المنشود لأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

ولذلك فإنهم سارعوا إلى تحريك مجلس الأمن الدولي ليصدر هذا البيان الرئاسي الآنف الذكر الذي إن هو غير ملزم إلا أنه جاء بمثابة التلويح للإسرائيليين بعصا غليظة عشية الزيارة المرتقبة التي من المقرر ان يقوم بها رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو بعد أربعة أيام إلى واشنطن والتي يتوقع كثيرون من بينهم بعض الأوساط الإسرائيلية المؤثرة أنها ستكون بمثابة امتحان عسير للعلاقات، التي بقيت سمنا وعسلا، بين إسرائيل والولايات المتحدة.

هناك الآن موقف عربي ازداد وحدة وتماسكا بعد زيارة العاهل الأردني الأخيرة إلى دمشق، حيث تؤكد المعلومات أن القيادة السورية قد حسمت أمرها وتخلت عن ترددها وتخلصت من تأثيرات إيران عليها بهذا الخصوص في ضوء ما أقنع به الملك عبد الله الثاني الرئيس السوري بشار الأسد، فالعرب، الذين هُمْ في انتظار ما سيسمعونه من الرئيس الأميركي باراك أوباما في الرابع من يونيو ( حزيران ) المقبل عندما سيزور القاهرة، باتوا أكثر إصرارا على أن الأولوية بالنسبة لإشكالات ومشاكل المنطقة هي للقضية الفلسطينية وأن الحل المنشود حتى وإن كان أساسه إقامة دولة الفلسطينيين المستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية فإنه لا تنازل ولا تهاون إطلاقا عن أن يشمل المسار السوري والمسار اللبناني ووفقا لتلازم المسارات.

وإزاء هذا فإن الإسرائيليين، الذين طوقهم الإجماع الدولي على حل الدولتين كأساس لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، قد أخذوا يبذلون جهودا مضنية لاستبدال أولوية المسارات ولإقناع العرب والأميركيين والعالم كله بأن الخطر الداهم الذي يهدد الجميع هو الخطر الإيراني وأنه لا بد من أن تتضافر الجهود كلها خلال هذه الفترة الحرجة، من الآن وحتى نهاية هذا العام، لمنع إيران من إنتاج السلاح النووي الذي تواصل السعي لإنتاجه، وهذا كان قاله الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز للرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة وكان قاله بنيامين نتنياهو للرئيس المصري حسني مبارك عندما التقاه يوم الاثنين الماضي في شرم الشيخ وهو ما سيقوله حتما للملك عبد الله الثاني عندما سيلتقيه في حفل افتتاح ملتقى «دافوس» الجديد في منطقة البحر الميت يوم الجمعة المقبل.

لكن المؤكد أن موقف العرب تجاه هذه المسألة، رغم ألاعيب إيران ومناوراتها وسعيها المتواصل لشق الصف العربي وإخراج سوريا منه، ثابت ولا يمكن أن يتزعزع، فالأولوية هي للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ووفقا لتلازم المسارات والمشكل الإيراني الذي يتمثل في التهديد المتواصل لهذه المنطقة والتدخل في الشؤون العربية الداخلية لا يمكن أن يحظى بالأولوية وهو يمكن حله في الإطار العام للحلول المنشودة لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط وإطفاء بؤر التوتر في هذه المنطقة.

والمعروف أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كان، من قبيل السعي لإبعاد السوريين عن هذا التحرك العربي المشترك والجاد هذه المرة، قد بقي يردد خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق: أن «النصر» قد حل على إيران وسوريا، وأن ظروف المنطقة والعالم باتت تتجه بسرعة لمصلحة مواقفهما. وحقيقة ان هذا كان قد أثر على الموقف السوري وجعل وزير الخارجية وليد المعلم يستجيب في لحظة ضيق لِلِعبة التشكيك بمبادرة السلام العربية ويقول مستندا إلى تسريبات صحفية إيرانية عبر طرف عربي إن بلاده لا يمكن أن تقبل بأي تعديل لهذه المبادرة.

كان المقصود من هذه التسريبات الصحفية هو دقِّ إسفين في الموقف العربي الذي لم يكن موحدا ومتماسكا كما هو هذه المرة وكان أخطر ما ترتب على هذه التسريبات، التي سارعت إيران إلى التقاطها والمباشرة بتسويقها بشماتة وتحريض والتي انطلت لعبتها على سوريا ولو لبعض الوقت فأطلق وليد المعلم تلك التصريحات التي أطلقها، هو أن إسرائيل كانت تنتظر هذا الذي جرى بفارغ الصبر لتقول للولايات المتحدة وللعالم بأسره إنها لا تبالغ عندما تقول إنها لا تجد الطرف الفلسطيني المخول الذي من الممكن أن تتفاوض معه وأن العرب أصبحوا أكثر تمزقا مما كانوا عليه قبل مؤتمر الكويت وقبل مؤتمر الدوحة الأخير وقبل اتفاقهم على إعادة تحريك مبادرتهم السلمية.

في كل الأحوال إن المفترض أن هناك إجماعا عربيا وأيضا دوليا على أنه إن لم يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما سيزور واشنطن في الثامن عشر من هذا الشهر بجدية متناهية وأنه إن مضى هذا العام بدون إحراز أي تقدم حقيقي وفعلي على طريق إنهاء هذا النـزاع المزمن في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية على أساس إقامة الدولة المستقلة المنشودة فإن المنطقة مقبلة على خضات أمنية كبيرة أقلها اندلاع حرب جديدة مدمرة.. وهذا ما كان نوه إليه العاهل الأردني في مقابلة له مع إحدى كبريات الصحف البريطانية.

كان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد حدد الموقف العربي سلفا عندما قال إن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد وبلا نهاية وهذا معناه أن العرب سيلجأون حتما إلى التعاطي مع أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بأسلوب آخر غير هذا الأسلوب إن انقضى هذا العام بدون إحراز أي تقدم حقيقي وفعلي وإن بقيت إسرائيل تراوغ وتماطل وتتلاعب بعامل الوقت وإن بقيت تسعى لتبديد هذه الفرصة السانحة من خلال السعي لتغيير الأولويات والتحجج بأن التحدي الذي له أولوية المواجهة هو تحدي القدرات النووية الإيرانية.

والسؤال هنا هو: هل الولايات المتحدة ستكون هذه المرة حازمة وحاسمة وهل باراك أوباما يا ترى سيلجأ إلى ما كان لجأ إليه جورج بوش (الأب) عندما أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق شامير تحت ضغط القروض الائتمانية إلى الذهاب إلى مؤتمر مدريد الشهير رغم أنفه، حيث كانت النتيجة انتخابات إسرائيلية مبكرة جاءت بإسحق رابين الذي تسود قناعة لو أنه بقي على قيد الحياة لكانت الأمور غير هذه الأمور ولكانت أزمة الشرق الأوسط قد تمت تسويتها وقامت الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة قبل عشرة أعوام؟!

الواضح أن هناك موقفا أميركيا، يحظى بإجماع كل صناع القرار وغالبية الشعب الأميركي، يستند إلى قناعة راسخة بعدم ترك الشرق الأوسط على ما هو عليه الآن، أي بين التشدد الإسرائيلي وتنامي التطرف والإرهاب، وأنه للحفاظ على المصالح الأميركية الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة لا بد من إلزام إسرائيل إلزاما بالانصياع لاستحقاقات السلام والاستجابة للتوجهات الدولية بإنجاز حل الدولتين وبتلازم المسارات، وهذا معناه إما أن يعيد بنيامين نتنياهو النظر بخريطة تحالفاته ويتخلص من عتاة التطرف العنصري في حكومته ويبادر بسرعة لتشكيل حكومة جديدة تستجيب لمتطلبات العملية السلمية يشارك فيها حــزب (كاديما) والمجموعة العربية في الكنيست الإسرائيلي وتشارك فيها أحزاب اليسار الصغيرة وإلا فإنه لا بد من انتخابات جديدة ستكون نتائجها حتما غير نتائج الانتخابات السابقة، نظرا لأن الإسرائيليين بصورة عامة لا يقبلون بأي خلاف جوهري مع الولايات المتحدة الأميركية.