إفساد أطلقه كاسترو

TT

كان وفد مؤتمر الأعضاء السود في الكونغرس الأميركي الذي زار العاصمة الكوبية هافانا أخيرا ساذجا للغاية، لعدم ملاحظته - أو خداعه بعدم الاعتراف - بأن كوبا قلما تكون فردوس التجانس العرقي والمساواة التي تتظاهر بها. ومع ذلك، ليس هناك أدنى مبرر لأن تستمر الولايات المتحدة في سياساتها غير المنطقية، وغير الفعالة، والمتشددة، التي نجم عنها سجل من الإخفاق المتواصل على مدار 47 عامًا.

إن تصرف الرئيس أوباما - الذي سهل فيه بعض القيود على السفر، والمنح، وإجراء الحوالات للأميركيين من أصول كوبية فقط - يعد بداية هزيلة للغاية. ويتعين عليه أن يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك عبر إرساء قاعدة فعلية لسياستنا تجاه كوبا على أرض الواقع. وفيما عدا هذا، فقد قمنا بتجربة كل شيء آخر.

إن هؤلاء المنادين بالإبقاء على الحظر التجاري المفروض، وعلى ما تبقى من القيود المفروضة على السفر - ويتوقعون أن تلك المعايير، التي تم فرضها في وقت فترت فيه الحرب الباردة، ستحمل حكومة كاسترو على الخضوع في يوم من الأيام - قد شربوا الكثير من الكحول حتى الثمالة. إن المزاعم القائلة بأن الولايات المتحدة ستتنازل بطريقة أو بأخرى عن «النفوذ» الثمين عبر رفعها للعقوبات ما هي إلا ضرب من الوهم.

إننا لا نملك أي تأثير أو نفوذ على الشعب في كوبا، وإن كان لدينا أي من ذلك، لكنا قد استطعنا تدبير تحريك الحكومة الكوبية، ولو قدر أُنملة أو اثنتين تجاه الإصلاح الديمقراطي على مدار العقود الخمسة المنصرمة.

إن ما يتعين علينا فعله هو رفع الحظر التجاري المفروض، الذي لم يفككه أوباما بصورة حقيقية، بالإضافة إلى إنهاء الحظر المفروض على السفر إلى كوبا للجميع. ومن شأن هذا أن يلقي بعبء المسؤولية على عاتق الكوبيين إزاء منع جماعات الرأسماليين الأميركيين والسياح بطريقة أو بأخرى من التأثير على الجزيرة الكوبية بالأفكار المحفوفة بالمخاطر المناهضة للثورة. ومع ذلك، يتعين علينا انتهاج هذه الخطوات بأعين مفتوحة لا تطرف، وأن ننظر إلى كوبا كما هي عليه فعلاً، وليس كما نرغبها أن تكون.

من هنا يتعين أن يتضح للمشرعين الأميركيين السبعة ممن بُسط لهم السجاد الأحمر لدى جولتهم - ومنهم ستة أعضاء من مؤتمر السود في الكونغرس الأميركي- أن الانطباعات الأولى لا يمكن التعويل عليها. لقد التقى ثلاثة من الأعضاء مع فيدل كاسترو المتوعك صحيًا في مقابلة رسمية نادرة من نوعها. وقالت لورا ريتشاردصن عضو مجلس النواب الديمقراطية عن كاليفورنيا «لقد نظر مباشرة إلى عيناي، ثم سألني: «كيف يمكننا مساعدة الرئيس أوباما؟»، إنه (قصده فيدل كاسترو) يبتغي فعليًا أن ينجح باراك أوباما».

لا، إنه لا يرغب ذلك حقًا. وكما حدث، سرعان ما أوضح كاسترو أنه لم يأمل حتى في الوفد حقًا، ناهيك عن من يقيم في البيت الأبيض حاليًا.

وبعد الاجتماع، أصدر كاسترو بيانًا زعم فيه أن أحد زائريه قال له أن الولايات المتحدة يتعين عليها «الاعتذار» إلى كوبا، وأن آخر قال إن المجتمع الأميركي مازال «عنصريًا». وأنكر أعضاء الوفد قول أي من تلك التصريحات؛ وفي الحقيقة أنا أصدقهم.

إن من مصلحة كاسترو تدمير أي تحرك حقيقي في واشنطن حيال تطبيع العلاقات، وهذا مرده إلى أن تخفيض التوتر سيفضي إلى تدمير المنطقية المعلن عنها من قبل الحكومة، والمتعلقة بإنكار الحريات السياسية الأساسية على الكوبيين: والتي تشير إلى أن أي انفتاح سيتم استغلاله من العدو الاستعماري في الشمال. كما أنه من مصلحة كاسترو أيضًا رسم صورة للولايات المتحدة على أنها عنصرية بصورة لا سبيل من تغييرها، على نقيض كوبا، وهي تحت وصاية الثورة.

وخلال 10 جولات صحافية إلى الجزيرة، التقيت هناك بكوبيين من أصول أفريقية، وحدثوني بيقين راسخ أنهم حصلوا على فرص في نظام كاسترو - خاصة في مجالي التعليم والصحة - لم يكن حتى ليجمح لها الخيال قبل الثورة. ومع ذلك، سمعت أيضًا شكاوى مريرة من العنصرية المتعمقة، التي يوقن الكثير من الكوبيين السود أنها ازدادت سوءًا. إن قضية العرقية تعتبر قضية حساسة وشائكة في كوبا، وعلى مدار عدة سنوات، استمرت هذه القضية، ولكن دون أن نسمع لها صدى. لقد أحدث راؤول كاسترو- الذي يعلم عن الجزيرة وشعبها، شأنه بذلك شأن أخيه الأكبر - جلبة واهتياجًا عام 2000، لدى قوله إذا ما منع أي فندق شخصًا من الدخول إليه لكونه أسود البشرة، فإنه يجب إغلاق هذا الفندق - وهو إقرار بحدوث مثل هذه الممارسات فعليًا. كما أن مغنّي أغاني الراب (الشعبية) في كوبا جعلوا من قضية الشكاوى العرقية موضوعًا رئيسًا في أغانيهم الجريئة. كما أنني أجريت حوارًا ـ في مرة من المرات ـ مع عالمة كوبية، سخر زوجها - الضابط في الجيش - من بحثها المتناول لقضية التمييز العنصري، حتى قاسى هو نفسه من تجربة تعرض فيها للاعتقال والتحرش على يد الشرطة، لا لسبب واضح سوى بشرته الداكنة.

وحتى دون مقابلة أي من المنشقين السود المعروفين بجزيرة كوبا، يمكن للزائرين من واشنطن ملاحظة أن القوة العاملة في قطاع الصناعة السياحية المزدهر - وهم من الطبقة الأكثر تمييزًا، على اعتبار أن النادلين وسائقي سيارات التاكسي يتلقون بقشيشًا بالعملة الصعبة، يتيح لهم مستوى حياة يفوق بكثير ما يمكن أن يقدمه لهم البيزو الكوبي والتموين الحكومي - من البيض بصورة غير متكافئة.

لقد كان أعضاء مؤتمر السود داخل الكونغرس متسرعين للغاية تمامًا لملاحظة مثل هذه الإهانات والتفاوتات داخليًا. وربما كانوا مشغولين للغاية بالنظر إلى عيني فيدل.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ («الشرق الأوسط»)