تصحيح: فرصة أوباما في جنوب آسيا

TT

(قيادة كرزاي الضعيفة خدمت طالبان)..

تقبع كل من أفغانستان وباكستان في الوقت الراهن على قمة قائمة أولويات السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما. واستضاف مؤخرا الرئيس أوباما زعيمي الدولتين لعقد مباحثات ثلاثية وثنائية. ويبدو أن الجيش الأميركي اعتنق هذا الاهتمام الجديد، وهذا ما اتضح في البيان الأخير لرئيس هيئة الأركان العامة المشتركة الجنرال مايك مولن عندما أشار إلى أن الحرب في أفغانستان أكثر أهمية الآن من صراع العراق.

وأضحى التأكيد والاهتمام المتزايد على أفغانستان وباكستان في الوقت الحالي جديرا بالثناء والمديح، وذلك على أساس أن هاتين الدولتين تعتبران بالغتي الأهمية فيما يتعلق بتحديد مستقبل التطرف والإرهاب، وكلاهما يمثلان التحدي الأمني الجلي في وقتنا الحالي. وسوف تعتمد النتيجة على ما إذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها بوسعهم تناول ثلاث قضايا رئيسية بنجاح أم لا.

وتتجلى أولى هذه القضايا في أنه يجب القضاء على الملاذات الآمنة ومعاقل الإرهاب والتطرف. ولطالما كانت باكستان مترددة حيال منع المتطرفين من استغلال أراضيها، ويعود ذلك إلى جهاز الاستخبارات العامة الباكستانية إلى حد كبير، والذي وجد ضالته المنشودة في المتطرفين، إذ اعتبرهم أدوات مفيدة للغاية في التعامل مع أفغانستان وباكستان، فضلا عن استرعاء اهتمام ولفت نظر الولايات المتحدة إليها.

ومع ذلك، بات المتطرفون في الوقت الراهن يهددون باكستان ذاتها، الأمر الذي نعقد عليه آمالنا بأن يفضي ذلك إلى إنهاء تردد الحكومة الباكستانية الجديدة، ويحملها على المواجهة الفعالة للمتطرفين.

ويشرع الجانب المدني من الحكومة بقيادة آصف علي زرداري في هذه المهمة بالفعل، ومع ذلك، فإن مركزي القوة الآخرين في باكستان، والمتمثلين في الجيش والاستخبارات العامة الباكستانية، لا يقومان من جانبهما بكل ما بإمكانهما القيام به، كما أن الظفر بدعمهما المستدام لن يكون بالأمر السهل. ولا يتمتع اللاعبون الرئيسيون في كلتا المؤسستين بالثقة الضرورية في الولايات المتحدة، كما أنهما ما زالا ينظران إلى الهند على أنها تشكل تهديدا أكبر من الذي يفرضه المتطرفون. بالإضافة إلى أنهما يوقنان أيضا بأنه يجب أن يحتاطا لفك الارتباط الأميركي عن المنطقة، والتعاون الأميركي ـ الهندي المتزايد، علاوة على أنهما يريان فائدة كبيرة ومستمرة في استغلال المتطرفين في تأجيج سعير الاضطراب في دول الجوار. هذه هي الأفكار والمفاهيم المتأصلة لدى كل من الجيش والاستخبارات العامة الباكستانية.

ثانيا، تحتاج الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية للتحالف إلى تعديل. وليس من المستغرب أن نرى إدارة أوباما قد راجعت الوضع العسكري، ورأت أن هناك فجوة بين الغايات والوسائل، فقررت حينها أن تسد هذه الفجوة بزيادة أعداد القوات الأميركية في أفغانستان بصورة دراماتيكية، في الوقت الذي تلزم فيه نفسها أيضا بزيادة حجم القوات الأفغانية بصورة كبيرة. وتعتبر هذه الخطوة ضرورية للغاية، إلا أنها ليست كافية في حد ذاتها.

وتركزت إحدى الركائز الأساسية في تحسن الأوضاع الأمنية في العراق على الزيادة الدراماتيكية في حجم القوات العراقية، الذي يبلغ في مجمله حاليا مليون جندي. وتحظى أفغانستان بنفس التعداد السكاني العراقي تقريبا، إلا أنهم يعيشون في نطاق أوسع من الأرض، ومع ذلك، يقل عدد قوات الشرطة والجيش مجتمعين بها عن 150 ألفا. وبناء عليه، يتعين إيجاد موارد لتدريب واستدامة المزيد من القوات الأفغانية.

وما زال هناك عدد من المشكلات العسكرية الأخرى الباقية. منها على سبيل المثال، أن نموذج نشر القوات الإقليمية التابعة لحلف الناتو، من خلال دول بعينها ـ وبالتالي يتم اتباع قوانين مختلفة للارتباط ـ قد تسبب في حدوث اضطراب كبير. وأن التحالف بحاجة إلى طريقة موحدة للتعامل مع المتمردين.

علاوة على ذلك، لا يتم تنسيق الجهود المدنية الدولية على النحو الأمثل أيضا. لقد خصص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ممثلا خاصا للأمم المتحدة ليكون المنسق المدني لهذه الجهود، إلا أن المانحين أثبتوا أنهم غير عازمين على تسليم زمام الأمور لهذا المنسق.

ثالثا، يجب على الحكومة الأفغانية وإدارة أوباما تشكيل شراكة فعالة فيما بينهما، فالنجاح سيكون صعبا ما لم تتمكن الحكومة الأفغانية من القيام بدورها. إن الوضع الراهن ليس مشجعا. فضلا عن وجود أزمة ثقة بين الرئيس كرزاي وإدارة بوش.

وقد أقدمت الإدارة الأميركية على تشجيع كثير من المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات أمامه في الانتخابات المزمع عقدها في وقت لاحق من العام الحالي. وكان لهذا أثر سيئ من حيث دفع كرزاي إلى من يعادون الغرب، فيما أوقع الشقاق والتشرذم أيضا بين المعارضة، وذلك على أساس أن كل من شجعته واشنطن على خوض غمار الانتخابات، اعتبر أنه هو من يحظى بدعم الولايات المتحدة. ولا تزال الاستراتيجية الفعالة للوصول إلى المسار السياسي مفقودة حتى الآن، فالحكومة الأفغانية الضعيفة بزعامة كرزاي الممتعض، الذي بدأت روابطه مع الولايات المتحدة يشوبها التوتر، تعتبر نتيجتها سيئة للغاية؛ إلا أنها الأكثر احتمالا في الوقت الحالي. ويمكن لهذا أن يصب في صالح طالبان فقط، حتى وإن كانوا لا يتمتعون بالشعبية المطلوبة بين الأفغان.

وسيقاس نجاح دبلوماسية الإدارة على أساس ما إذا كانت سوف تقدم خريطة طريق جديرة بالثقة، وثمة اتفاق بشأنها من أجل القضاء على ملاذات المتطرفين الآمنة في باكستان والتخلص منها، بما في ذلك منع زعماء طالبان الأفغانية من الانتفاع بكويتا.

ويتمثل التحدي الراهن بالنسبة للرئيس أوباما في كيفية وضع العلاقات الأميركية ـ الأفغانية في مسار مثمر، في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الأفغانية للانتخابات الرئاسية. وأخيرا، يجب على أوباما أن يبعث برسالة إلى الشعب الأفغاني والباكستاني، وأن يقر فيها بآمالهم وأحلامهم، ويطمئنهم بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم وتتركهم بين براثن القادة العسكريين.

*السفير الأميركي الأسبق لدى العراق وأفغانستان.. والمندوب الدائم السابق للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.. ويشغل حاليا منصب مستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»