سياسات أوباما الجديدة زادت الطين بلة في أفغانستان وباكستان

TT

على الرغم من الكلام عن «القوة الذكية»، يسير الرئيس الأميركي باراك أوباما الأمور في نفس طريق الفشل الذي سار فيه من قبله سلفه جورج بوش في باكستان. وتشير وقائع الأمور إلى الحاجة إلى مراجعة جذرية للتفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة.

ـ لن تحقق القوة العسكرية انتصارا في أفغانستان أو باكستان، بل إن الأزمات تفاقمت وازدادت سوءا بسبب بصمة الجيش الأميركي.

ـ تمثل طالبان إسلاميين يعيشون في الجبال يحدوهم حماس شديد ولديهم قدر كبير من الجهل. وهم أيضا جماعة البشتون العرقية، وينظر معظم البشتون إلى طالبان ـ سواء كانوا منها أن لا ـ على أنها الأداة الرئيسة لاستعادة سيطرة البشتون في أفغانستان، التي فقدوها عام 2001. ويعتبر البشتون أيضا من بين أشد شعوب العالم نزوعا للقومية، والقبلية، ونفورا من الأجانب، ويتحدون فقط في وجه الغازي الأجنبي. وفي النهاية، من المحتمل ولاء لطالبان للإثنية الباشتونية أكثر من كونهم إسلاميين.

إن مجرد التفكير في إحكام غلق الحدود الأفغانية الباكستانية مجرد وهم. كما أن «خط د?ورند» ما هو إلا خط استعماري استبدادي رُسم بين قبائل البشتون على كلا جانبي الحدود. ويزيد عدد البشتون الموجودين في باكستان مرتين عن البشتون الموجودين في أفغانستان. وقد أدى صراع البشتون الأفغان البالغ تعدادهم 13 مليون نسمة إلى استثارة مشاعر البشتون الباكستانيين الذين يبلغ عددهم 28 مليون نسمة.

ـ تمثل الهند التهديد الجيوسياسي الأساسي لباكستان، وليس أفغانستان. وبناء عليه، يجب على باكستان أن تبقي دوما على أفغانستان كدولة صديقة. علاوة على ذلك، تضمر الهند نية صادقة ترمي إلى الحصول لنفسها على موطئ قدم هام في أفغانستان، وذلك عبر الساحات الاستخباراتية، والاقتصادية، والسياسية؛ الأمر الذي يثير إسلام آباد ويجعلها تشعر بالقلق.

ـ وبالتالي، لن تقدم باكستان أبدا على قطع العلاقات أو التخلي عن البشتون، في كلتا الدولتين، سواء كانوا إسلاميين أم لا. فلا يمكن لباكستان أن تتحمل معاداة البشتون لإسلام آباد، وذلك أملا في فرض السيطرة على كابل أو داخليا.

ـ يثير الاحتلال الموجود في كل مكان نوعا من الكراهية، وهذا أمر تعرفه الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن اللافت للنظر أن البشتون لا يمثلون جزءا من الحركة الجهادية على المستوى الدولي، هذا رغم أن الكثير منهم يهرعون إلى التحالف مع القاعدة داخليا لمواجهة الجيش الأميركي.

ـ لدى الولايات المتحدة أسباب تحملها على إعادة ضرب «القاعدة» في أفغانستان بعد الغضب العارم الذي أحدثته هجمات 11 سبتمبر (أيلول). لقد كانت طالبان صورة لنظام قاس عديم الكفاءة. إلا أن طالبان انسحبت بدلا من خسارة الحرب عام 2001، للعودة لخوض القتال مجددا في يوم آخر. وبالفعل، يمكن لأي شخص أن يفكر مليا فيما إذا كان ممكنا ـ وفي ظل الضغط المستمر من باكستان، وإيران، والسعودية، وكل الدول الإسلامية الأخرى تقريبا، والتي كانت تنظر إلى طالبان على أنها مجموعة ساذجة ـ إجبار طالبان على التخلي عن «القاعدة» بمرور الوقت دون حرب أم لا. وعلى أي حال فإن هذه القضية موضع نقاش حاليا. ومع ذلك، تعتبر هذه الحرب ذات عواقب مشؤومة وموهنة بالإضافة إلى أنها مازالت ممتدة.

ـ يسير الوضع في باكستان من سيئ إلى أسوأ، وذلك على أساس أن النتيجة المباشرة للحرب الأميركية المستعرة على الحدود الأفغانية. ونقلت السياسة الأميركية في الوقت الراهن حرب أفغانستان من الحدود إلى باكستان عبر عمليات الاجتياح، والقذف باستخدام الطائرات الموجهة دون طيار، وعمليات الاغتيال؛ وهي الاستجابة التقليدية للإخفاق في التعامل مع التمرد داخل البلاد. ولنتذكر غزو كمبوديا لإنقاذ فيتنام.

ـ ولن يتم أبدا تحويل الصبغة القبلية الإسلامية الراسخة في حكم البشتون داخل إقليم الحدود الشمالية الغربية في باكستان بغزو أو حرب. وتتطلب هذه المهمة ربما أجيال للشروع في تغيير السمة النفسية والاجتماعية الراسخة في هذه المنطقة. وتستحث الحرب ردا رجعيا متوارثا من الأسلاف.

ـ لقد بدأت باكستان بالفعل حاليا في الانهيار تحت وطأة الضغط الشديد الذي تمارسه الولايات المتحدة. كما أن المشاعر المعادية لأميركا في باكستان في مستوى عال بالفعل، الأمر الذي أدى إلى تقوية شوكة الراديكالية الإسلامية، وأجبرت غير الإسلاميين على الإذعان ولو على مضض.

ـ ومن شأن انسحاب القوات الأميركية وحلف الناتو وحده إتاحة فرصة لتهدئة المشاعر داخل باكستان، فضلا عن تهدئة المنطقة ككل. وتعتبر باكستان بالفعل متمرسة في الحكم، كما أن بمقدورها التعامل مع الإسلاميين الموجودين بها والقبائل في ظل الظروف الطبيعية. وجدير بالذكر أنه حتى فترة أخيرة كان الإسلاميون الباكستانيون يحظون بأقل المعدلات نجاحا في الانتخابات بين العالم الإسلامي أجمع. إلا أن السياسات الأميركية الحالية أفضت إلى توحد القومية المحلية، والنفور من الأجانب، والإسلامية. وفي الوقت الذي تطلب فيه واشنطن من إسلام آباد إصلاح السياسات الأميركية الفاشلة في أفغانستان، بات واضحا أن باكستان لم يعد بمقدورها تدبر أزمتها الداخلية.

ـ إن الجيش الباكستاني أكثر من قادر على المحافظة على حكم البلاد ضد المليشيات القبلية، والذود عن أسلحته النووية. ويمكن للنزعة الثورية القومية المتشنجة وحدها تغيير هذا الأمرـ وهو الشيء الذي لا يرغب فيه أغلب الباكستانيين. وما زال بإمكان واشنطن زعزعة استقرار باكستان، وذلك عبر الاستمرار في استراتيجياتها المتشددة الحالية. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلي كتابة فصل جديد من الحكم العسكري ـ وهو ما لا يريده الباكستانيون، ولن تتغير حتى السياسات الأساسية في إسلام آباد، إلا بصورة تجميلية.

وفي النهاية، يمكن فقط للإسلاميين المعتدلين أنفسهم أن يتغلبوا على الراديكاليين، والذين يتمثل مصدرهم الرئيس للشرعية في تأجيج مشاعر المقاومة الشعبية ضد الغازي الأجنبي. وللأسف، يقترب الوضع بين الراديكاليين والقوات الأميركية حاليا من حالة من المشترك فيما بينهم.

سيحدوني حماس كبير لأن رؤية ديمقراطية راسخة مثمرة في أفغانستان. أو انتشار التعليم وحقوق المرأة على نطاق واسع؛ ومن المثير للسخرية أن نعرف أن الاحتلال السوفيتي أبلى البلاء الحسن فيما يتعلق بهذين الأمرين. ومع ذلك، من المعروف أن هذه التغيرات لن تحدث حتى خلال جيل واحد، على اعتبار فترة الدمار الاجتماعي الاقتصادي التي مرت بها البلاد على امتداد 30 عاما.

ولم يعد تهديد «القاعدة» ينبع من الكهوف الكامنة على المناطق الحدودية، ولكن من رمزيتها التي طالما انتشرت إلى ناشطين آخرين في العالم الإسلامي. وفي غضون ذلك، سيخوض البشتون حربا لنيل صوت قومي قوي في أفغانستان، إلا أن القليل للغاية من البشتون من كلا الجانبين سيبقون طويلا على وجهة النظر الراديكالية والجهادية الدولية حال رحيل العامل المثير الملهب بالنسبة لهم، ألا وهو الوجود الأميركي، فلا أحد يرغب في ذلك فعليا على كلا الجانبين. ويجب أن يتوافق ما يجب القيام به فعليا مع الثقافة السياسية للبلاد. ولنجعل المؤسسات غير العسكرية، والمنظمات الدولية الحيادية ـ الخالية من الأحقاد الجيوسياسية ـ تتولى زمام أمور تضميد الجراح الأفغانية وبناء كيانات الدولة.

لو كانت الأعوام الثمانية الماضية قد أظهرت نجاحا مستمرا، ربما كانت هناك وضعية بديلة للسياسات الأميركية. ومع ذلك، لا تتضمن الأدلة الحالية سوى تدهور متواصل فقط ومستقبل قاتم. فهل سيكون لدينا المزيد من هذا؟ وهل ستدرك الولايات المتحدة أن وجودها الآن أضحى معضلة أكثر من كونه حلا؟ لم نسمع مطلقا مثل هذا النقاش.

* الرئيس السابق لمركز وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في كابل.. والنائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات القومية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.. وألف الكثير من الكتب عن الشرق الأوسط منها «مستقبل الإسلام السياسي عام 2003»

*خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»