نزهة أوباما في أفغانستان وباكستان

TT

طمعا في الحصول على أخبار جديدة، غمرت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما السعادة لدى استقبالها لرئيسي أفغانستان وباكستان في واشنطن. وقد امتلأت وسائل الإعلام بروايات عن الأمل، فهاهي باكستان تمضي بقيادة رئيسها الجديد آصف علي زرداري إلى مواجهة مع طالبان، كما تستعد أفغانستان من جانبها تحت قيادة رئيسها حامد كرزاي إلى التعاون مع باكستان للقضاء على «المتطرفين»، وهو المصطلح الذي استخدمه أوباما بديلا عن كلمة إرهابيين. وقد قطعت قناة «سي.إن.إن» برنامجها لكي تبث إعلانا حيا لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وكان الخبر الهام أن باكستان وأفغانستان اتفقتا على توقيع «مذكرة» لتصعيد الحرب ضد المتطرفين.

أعقب ذلك سلسلة من المقابلات مع جيش من الخبراء الذين امتدحوا «النجاح الكبير» الذي حققته إدارة أوباما وكلينتون، حيث فشلت «دبلوماسية رعاة البقر» التي انتهجها بوش. وقال المعلقون إنها المرة الأولى التي تصدر فيها أنباء مشجعة من «أفباك»، المصطلح الذي استخدم لوصف أفغانستان وباكستان كوحدة واحدة. بيد أن استجلاء الموقف عن قرب يكشف اختلافات الصورة. ربما يكون كرزاي وزرداري يأخذان الأميركيين إلى جولة في المركبة المتداعية ذاتها من الوعود التي لم تسفر عن أية نتيجة خلال فترة الرئيس بوش. وقد اتضح أن المذكرة التي تم توقيعها بالأحرف الأولى على الهواء كانت مذكرة تفاهم، أي إنها أدنى صيغ الالتزام الدبلوماسي، لكن مع ذلك فإن المذكرة لم تكن تتحدث عن محاربة المتطرفين، بل حاولت إلزام الجانبين باستئناف المفاوضات حول اتفاقية الترانزيت لتعزيز التجارة بين البلدين. وقد بدأت تلك المحادثات بين البلدين في عام 1965 بعد النزاع الحدودي بين أفغانستان وباكستان، الذي انتهي بفضل الوساطة الإيرانية، لكن النزاع توقف وتجدد مرات عدة خلال الأعوام الثلاثة والأربعين التي مضت، ولم تؤت المحادثات ثمارها المرجوة منها، فلم تصل إلى نتيجة، ولم يقبل أي من الطرفين الطرف الآخر دون نوع من الارتياب.

ومنذ عام 1947، عندما تكونت باكستان، لم تبد أية حكومة أفغانية رغبتها في الاعتراف بها كحقيقة دائمة. وقد رفض الأفغان، على مدار سنوات، مد علاقاتهم الدبلوماسية مع جارهم الجديد.

وحتى بعد أن اعترفت أفغانستان بباكستان، رفض الأفغان ترسيم حدودهم مع باكستان وفق ما هو معروف باسم خط ديوراند، وهو الخط الذي رسمه ضابط الجيش البريطاني عندما كانت شبه القارة الهندية جزءا من المملكة البريطانية.

وحلمت النخبة الحاكمة في أفغانستان، التي كانت تتكون من قبائل بشتونية متنازعة، بضم المناطق القبلية الباكستانية حيث يوجد 12 مليون بشتوني في المنطقة التي يطلق عليها الباكستانيون، إقليم الحدود الشمالي الغربي، فيما يطلق عليها الأفغان بشتونستان.

يعد البشتون أكبر القوميات العرقية في أفغانستان، حيث يقدرون بـ 38% من السكان وإذا ما انضم إليهم إخوانهم في باكستان فسيشكلون 65% من الشعب الأفغاني. وقد خشيت النخبة الحاكمة في كابل من فقد هيمنتها، حيث عزز النمو الديموغرافي السريع لقوميات الطاجيك والأوزبك والهازار من تلك المخاوف.

أما باكستان من جانبها فقد اعتبرت أفغانستان معتركا لها في صراعها الوجودي مع الهند. فنظرا لافتقارها إلى العمق الجغرافي، تحتاج باكستان إلى أفغانستان كممر لها إلى آسيا الوسطى التي يشكل فيها المسلمون أغلبية كبيرة. كما أن أفغانستان تقدم أحد شقي الرحى التي تكون الهند الشق الآخر منها، حيث تقع بينهما أفغانستان. وقد دعمت باكستان المجاهدين الأفغان لأن السوفيات كانوا حلفاء للهند.

وكانت أفغانستان التي يحكمها السوفيات في ذلك الوقت قادرة على تشكيل شق الرحى الذي تخشاه باكستان، بيد أنه مع انسحاب السوفيات صعدت عناصر المجاهدين الذين دعمتهم إيران والهند وروسيا نوعا ما إلى السلطة في كابل، ومرة أخرى شعرت باكستان بنوع من التهديد.

ردت باكستان على ذلك بتشكيل طالبان، وبعد أربع سنوات من القتال نجحوا في السيطرة على 95% من أفغانستان. ثم جاءت بعد ذلك هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة الأميركية، وأطاح الأميركيون هذه المرة بنظام كابل الموالي لباكستان، ومرة أخرى تخرج باكستان من أفغانستان.

حافظ كرزاي على استمرار سياسة أفغانستان التقليدية في النأي عن باكستان.

لم يدرك الأميركيون ذلك، لكن كرزاي أكد على ذلك الموقف بصورة دراماتيكية قبل بضعة أيام من سفره إلى واشنطن، عندما أعلن عن اسمي نائبيه للترشح للرئاسة في انتخابات أغسطس (آب).

أولهما قاسم فهيم، وهو أحد قادة المجاهدين السابقين من الطاجيك والمقرب من الهند، أما الآخر فهو كريم خليلي القائد الشيعي الهزاري الذي يعتبر حليف إيران الأول في أفغانستان. وقد يعني ذلك حكومة ثلاثية يكون فيها كرزاي رجل الولايات المتحدة في الوقت الذي يعكس فيه نائباه النفوذ الإيراني والهندي في أفغانستان. ومن ثم فإن استثناء باكستان لا يجعل من مصلحتها المساعدة في استقرار الأوضاع، في الوقت الذي يهيمن فيه غريماها التقليديان، إيران والهند، على أفغانستان بفضل الدعم العسكري الأميركي. وتحتاج باكستان إلى طالبان كأداة وحيدة للتأثير في السياسات الأفغانية، ولعل ذلك هو السبب وراء رغبة الرئيس السابق بيرفيز مشرف في عدم سحق طالبان، وربما يكون ذلك هو السبب أيضا وراء رغبة زرداري في عدم القيام بذلك هو الآخر. وقد دأب مشرف من قبل على القيام بهجمات ضد المتشددين قبيل سفره إلى واشنطن لطلب المزيد من الأموال من الأميركيين وقد قام زرداري بنفس الأمر، وما إن يعود من واشنطن حاملا الشيك حتى تتوقف الحملة ضد المتطرفين.

ولا تملك الولايات المتحدة مصلحة في إبعاد باكستان عن أفغانستان وتفضيل النفوذ الهندي والإيراني في كابل. والطريقة الوحيدة لإقناع باكستان بسحق طالبان هي إنهاء استبعادها من أفغانستان ومساعدتها في استعادة بعض نفوذها في كابل. وكان بإمكان كرزاي أن يقدم بعض الإشارات على النوايا الطيبة عبر تسمية سياسي مناصر لباكستان، كواحد من نوابه للرئاسة، لكنه لم يفعل. ومن خلال الحكم على الصورة الحالية لأعضاء حكومته، إذا ما أعيد انتخابه، فإنه سيشكل تحالفا مناصرا للولايات المتحدة والهند وإيران ويستبعد باكستان مرة أخرى.

وباكستان قادرة على سحق طالبان لكنها لن تقوم بذلك ما دامت تشعر بعزلة جيوسياسية.

إن القمة الثلاثية الأميركية بين أوباما وزرداري وكرزاي لم تحل شيئا لأن الجانب الأميركي كان يريد خلق دبلوماسية الوهم. لقد كانت هذه القمة ترغب في الحصول على أخبار جيدة أو أشباه الأخبار الجيدة لاستخدامها في احتقار «راعي البقر بوش». وقد نالت مبتغاها، ومن ثم فقد يرى المتطرفون أن واشنطن تكترث بالمظهر الخارجي للأمور أكثر من اهتمامها بما هي عليه في الحقيقة.