إسرائيل وإيران: عقبتان في طريق السلام

TT

سياسة الولايات المتحدة الجديدة في الشرق الأوسط، وبالنسبة إلى علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي، باتت واضحة المعالم والأهداف. والمشكلة هي في قدرة الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته على إنجاح تنفيذ هذه السياسة الجديدة. الرئيس الأميركي أكد أكثر من مرة، وسيؤكد في زيارته القريبة للمنطقة، على الخطوط العريضة لهذه السياسة. كما أن نائبه بيدن شرح في خطابه الأخير أمام اللوبي اليهودي (إيباك) تفاصيلها وأهدافها القريبة. وأبرزها ـ كما بات معروفا ـ التعهد الأميركي بضمان سلامة إسرائيل وأمنها، مساعدة الفلسطينيين على إقامة دولتهم ودعمهم اقتصاديا وأمنيا، الاستعداد للحوار مع حماس إذا اعترفت بإسرائيل وتوقفت عن أعمال العنف، الحوار مع إيران، حول المشروع النووي ومع سوريا لوقف دعمهما للمنظمات التي تعتبرها واشنطن إرهابية، الانسحاب من العراق وفقا للجدول المتفق عليه مع الحكومة العراقية، دعم الحكومتين الأفغانية والباكستانية عسكريا واقتصاديا للتغلب على الطالبان والإسلاميين الباكستانيين المتعاطفين معهم، دعم استقلال لبنان وسيادته بوجه مشروع حزب الله والطموح السوري للسيطرة عليه من جديد.

المشكلة، كما قلنا، هي في العثور على مماسك الخيوط في تنفيذ هذه السياسة التي تختلف روحا وأسلوبا ـ لا غايات ـ عن سياسة إدارة الرئيس بوش، التي كانت تعتبر محاربة الإرهاب الإسلاموي في مقدمة الأولويات، مع الانحياز إلى إسرائيل، واستعمال القوة العسكرية كوسيلة مفضلة لتحقيق الأهداف. فلقد أدخل الرئيس أوباما على هذه السياسة الجديدة عامل «الحوار» مع الدول أو الجماعات «المارقة»، وأولوية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والعرب، وأهمية العامل الاقتصادي والاجتماعي، والتعاون الدولي في حل مشكلات الشرق الأوسط.

إلا أن هذا التغيير التكتيكي في السياسة الأميركية، مع ترحيب الجميع به، لا يكفي، وحده، لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والقضاء على الإرهاب وإقامة علاقات ودية ومفيدة بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي. بل لا بد من أن يقترن بأربعة تغييرات أخرى، وهي: 1-تغيير إسرائيل لنظرتها وسياستها مع الفلسطينيين والتسليم بكل أو معظم مطالبهم الشرعية والمحقة. 2- تغيير إيران – وسوريا – لاستراتيجيتهما السلبية الرافضة لإسرائيل والمعادية للغرب. 3- تحسن الأوضاع في العراق باتجاه الاستقرار السياسي والأمني. 4- تغيير الوضع القائم على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية، لمصلحة النظامين الحاكمين في كابول وإسلام آباد، وقطع الطريق على عودة حكم الطالبان ووصول الإسلاميين إلى الحكم في باكستان. ولكن بين كل هذه المعطيات وهؤلاء اللاعبين، هناك لاعبان رئيسيان يصعب تجاوزهما كما يصعب إسقاطهما، من أجل إنجاح الاستراتيجية الأميركية الجديدة، ونعني إيران وإسرائيل. فهاتان الدولتان تمسكان بخيوط هامة ظاهرة ومستترة، للتوتر أو للسلام في المنطقة. ويصعب التوصل إلى حسم مشكلة الإرهاب، دون المرور بهما. والسؤال الحقيقي المطروح هو: هل يريد هذان البلدان السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟ والجواب، لسوء الحظ، هو النفي. فإسرائيل، حتى الآن، تعتقد أن أفضل ضمان لكيانها وسلامتها هو في تفجير متناقضات العالم العربي والإسلامي، الرافض لها، ودفعه إلى التطرف، وبالتالي إلى استعداء الغرب الأميركي والأوروبي عليه. أما إيران فإن تصدير مشروعها الشيعي ـ الثوري، إلى العالمين العربي والإسلامي، يفرض عليها سياسة اقتحامية معادية للغرب ولإسرائيل وللأنظمة العربية الحاكمة وداعمة لجبهة المقاومة والرفض، وتخصيصا حماس وحزب الله. هل يبدأ الرئيس أوباما بشد الخيوط الصغيرة، لحلحلة العقد الكبيرة، أي تحقيق اتفاق سوري ـ إسرائيلي، أو اتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني، يساعدان على تحريك المسارات السلمية الكبيرة مع العالمين العربي والإسلامي، وبخاصة على حدود أفغانستان ـ باكستان؟ أم عليه أن يحل المشكلة الإسلامية الأفغانية ـ الباكستانية، قبل أن يحل مشكلة السلام بين العرب وإسرائيل؟ أم أن عليه أن يحل مشكلة إيران النووية، قبل كل شيء؟

من الثابت أن واشنطن باتت مقتنعة بأن كل الحروب والمقاومات والعمليات الإرهابية والنزاعات الممتدة على طول العالمين العربي والإسلامي، مترابطة ومؤثرة بعضها على بعض، وأن على الولايات المتحدة أن تعالجها من أكثر من زاوية وبالتعاون مع الدول الكبرى والمجتمع الدولي والأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي، ودون إغلاق الباب في وجه الجماعات المقاومة أو الرافضة أو المعلنة العداء للغرب. ولكن عندما يصبح لأي قضية هذا العدد الكبير من الأطراف المعنية بحلها، يصبح الحل أكثر صعوبة وتعقيدا.

إن الصراعات الناشبة على طول وعرض العالمين العربي والإسلامي، من حدود باكستان إلى المغرب، تنبع من رواسب الحروب الصليبية وعصر الاستعمار وقيام إسرائيل في قلب العالم العربي، كما تنبع من تضارب أو تنافس المصالح الاقتصادية الدولية، ولا سيما حول النفط. إلا أنها تنبع أيضا من الواقعين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تعاني منه معظم الدول العربية والإسلامية، والذي يزداد حدة وخطورة مع تزايد عدد السكان وهدر الثروات الوطنية في قطاعات غير منتجة ومنمية. وإذا كانت الأزمة العالمية الأخيرة قد قلصت من قدرات الدول الصناعية الغنية على مساعدة العالم الثالث، والدول العربية والإسلامية المحتاجة إلى مساعدة، فإنها، من جهة أخرى، قلصت من الإنفاق على القوى العسكرية والحروب.

ولعل أهم ما برز في الآونة الأخيرة، هو شعور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن مصالحها مرهونة بمصالح كل الدول والشعوب الأخرى، وأن دورها في العالم اليوم، ليس دور القائد أو الشرطي، بل دور الشريك، وأن النزاعات لا تحل كلها بالقوة.

ولكن هل توصلت كل الشعوب والأنظمة الأخرى في العالم ـ وفي الشرق الأوسط خصوصا، وفي إسرائيل وإيران، تخصيصا، إلى قناعات مماثلة؟!

التخلف الاجتماعي والاقتصادي يتخبط فيه معظم الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية. وإذا كان الغرب والولايات المتحدة في طليعته، بات مقتنعا بأن من مصلحته وأمنه، مساعدة الدول والشعوب الغاضبة أو الناقمة، بدلا من شن الحروب عليها، فإن هذه المساعدة ليست ممكنة دون مشاركة الدول والشعوب العربية والإسلامية. وأكثر ما تخشاه إسرائيل هو تلاقي وتعاون الولايات المتحدة مع العالمين العربي والإسلامي. وقد تكون إيران، من ناحية أخرى، تخشى من هذا التقارب.