الموقف والمؤرخ

TT

تحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل في إحدى أمسياته التلفزيونية عن الملك حسين من خلال كتاب البروفسور الإسرائيلي آفي شلايم. وردت بعض صحافة عمان بطريقة «صوت العرب» على خصم قديم للملك الراحل يكتب فيه منذ نصف قرن. والحقيقة أن ما كتبه وقاله الأستاذ هيكل هو رأي، ومواقف الأستاذ هيكل، وخلال مرحلة ما، رأي ومواقف الرئيس جمال عبد الناصر، ثم الرئيس أنور السادات الذي قطع علاقة مصر مع الأردن في مرحلته الفلسطينية وأعادها قبل مرحلة كامب ديفيد.

لكلٍّ رأيه ومواقفه وحتى حريته في تغيير الآراء والمواقف. ومن يستطع أن يحدد لنا كم موقفا قلب الدكتور سعد الدين إبراهيم نقدّم له جائزة الصبر الدولية. المسألة في كلام هيكل عن كتاب «أسد الأردن» أنه انتقى، برتابة متوقعة، محادثات الملك مع الإسرائيليين، وتجاهل ما ورد في وثائق الكتاب عن مواقف حسين الأخرى.

أغفل، في الكثير الذي أغفله، أنه قُبيل عدوان السويس كان بن غوريون يخطط لاحتلال الأردن وضم الضفة الغربية، بسبب حماس ملك الأردن للانضمام إلى مصر وسورية. وأغفل أن حسين اتفق مع القاهرة ودمشق في العام 1956 أن يفتح جبهة على إسرائيل خلال العدوان الثلاثي على مصر. لكن الذي منعه عن ذلك المشير عبد الحكيم عامر، والذي عارض الفكرة تماما كان رئيس الحكومة اليسارية الأردنية سليمان النابلسي الذي شكل حكومة «انقلابية» ليس فيها وزير واحد للديوان وترفض العمل بسياسته. وضمّت الحكومة في من ضمّت الوزير عبد الله الريماوي، ممثل حزب «البعث» الذي كان يعلن عداءه لاستقلال الأردن وضرورة ضمه إلى سورية.

في الوقت الذي كان فيه بن غوريون يخطط ـ كما ورد في مفكرته ـ لاحتلال الأردن وتقسيم لبنان لإقامة دولة مسيحية فيه، وقّع الملك حسين اتفاقية دفاع مشترك مع مصر وسورية، قيادتها العسكرية في القاهرة. وعندما منعه المشير عامر من فتح جبهة على إسرائيل بسبب عدم التكافؤ، أنقذ الضفة الغربية. لكن عندما انضم إلى مصر وسورية في حرب 1967 خسر الضفة وفقدت القدس.

تلك بعض الفصول التي يشير إليها آفي شلايم. وفيما يؤكد هيكل أن حسين أطلع غولدا مائير على موعد حرب أكتوبر، يؤكد شلايم أن لا السادات ولا حافظ الأسد ائتمنا حسين على ذلك الموعد. كلاهما كان يكنّ له العداء الضمني ولكلٍّ أسبابه. وأعود إلى القول إن الأستاذ هيكل حر في كل ما يكتب، ويمارس هذه الحرية دون استئذان أحد. لكن ما دام اختار كتابا معينا ومرجعا معينا يملأ به بعض الأمسية فمن حق التاريخ أن نكتبه دائما وبإلحاح على طريقة الشهود الذين يوجدون في المكان لحظة تكاثر الضباب.