كوني جميلة وانتخبي

TT

يعتبر البعض أن الوقاحة بلغت حدا لا يُطاق مع نشر الجنرال عون لإعلانه الانتخابي الذي تظهر فيه حسناء مُسدَلة الشعر، فاتنة العينين، ساحرة الملامح، وإلى جانبها كتبت بالفرنسية عبارة: «كوني جميلة وانتخبي». والحملة على الإعلان لا تأتي من فراغ، فليس ثمة امرأة لا تشعر بالامتهان أمام المقولة الشهيرة «كوني جميلة واسكتي»، لكن الجنرال قرر شيئا آخر، وها هو يطالب النساء، بلهجته العسكرية الآمرة الباترة، أن يكُنّ جميلات ويرفضن السكوت، بالتصويت له. وما كان الإعلان غير الموفق ليثير الضجيج حوله لو أن القانون الانتخابي الذي وافق عليه الجنرال وبقية «الجنرالات»، شركائه في اقتسام «جاتو» السُّلطة، أقل إجحافا وأكثر رأفة بالنساء. فقانون الستين الذي أخرجوه معا من عفن المقابر، وزينوه ومشّطوه، وجمّلوه ونفخوا فيه الحياة، لا يصلح لأكثر من إعادة المجموعات نفسها إلى سدة الحكم، مع تعديل محسوب بإحكام، لكل طرف، في عدد المقاعد التي يجهز عليها. ولا يخفي وزير الداخلية زياد بارود أن الانتخابات أُجريت عمليا في الدوحة، عندما صيغ الاتفاق، وما يحدث الآن، هو أشبه بانتخابات فرعية على عدد ضئيل من المقاعد يتراوح بين 16 و24 مقعدا فقط من أصل 128. وبمعنى آخر، فإن الصخب المزمجر الدائر حاليا هو جعجعة بلا طحين، وجهد بلا ثمر. وقد لا نكون متشائمين لو قلنا إن ما سيأتي أسوأ من الراهن وأدهى، بعد أن رفض جهابذة الدوحة، إصلاحات على القانون، تنقذ ماء وجوههم. فقد تهربوا من تخفيض سن الاقتراع، وتحديد كوتا نسائية، كما وضعوا العصي في دواليب اقتراع المقيمين في الخارج، وأفشلوا القائمة الموحدة للمرشحين ـ التي يختار منها المقترع ممثليه وراء العازل ـ خوفا على لوائحهم الجاهزة، من نزعة المواطن الاستقلالية. والزعماء اللبنانيون، متفرقين أو مجتمعين، ساهموا في وضع الشعب كله أمام مهزلة انتخابية، يعرفون نتائجها سلفا، حتى إننا نرى أن واحدهم ينسحب للآخر بمنتهى اللياقة والحنكة في الدوائر التي تم الاتفاق عليها مسبقا. وتوضح الاستطلاعات بالأرقام أن الفريقين المتناحرين 8 و14 آذار سيفوز كل منهما بنصف عدد المقاعد، مع فارق بسيط يعطي لأحد الطرفين الأرجحية التي سيتعلق بها، لينخر رأسنا بأنه الأكثرية.

شكليا، لا غبار على الديمقراطية. لا، بل إن المرشحين أكثر حرصا على المظهر الحضاري، من أي وقت مضى. فهم يقيمون المهرجانات لإطلاق لوائحهم على الطريقة الأميركية، ولا تنقصهم المسارح والإضاءة المدروسة، والطلة المتقنة، والبالونات التي تتساقط على رؤوسهم، مع الشعارات البراقة. وقد تزودوا هذه المرة إلى جانب الخطب الرنانة ببرامج مكتوبة ومطبوعة، يعرف الناخب أنها حبر على ورق. وكي تتأكد أن الديمقراطية معافاة فإن مواقع إلكترونية أنيقة خُصصت للانتخابات، وعداداتها تُحصي الساعات والدقائق والثواني التي تفصلنا عن الحدث التاريخي المهيب. وتزداد المهزلة هزلا، حين يطل عليك أبطال «14 آذار»، ليحذروا الناخبين من أنهم أمام انتخابات مفصلية، لا، بل ومصيرية، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم، أن هذا التهديد لا وظيفة له سوى استنفار عصبية الناخبين وغضبتهم، لحصد بعض الكراسي النيابية الإضافية. وإن أنت عدت إلى ما جرى في السنوات الأربع الماضية من منازلات دموية في الشوارع والأزقة، لعرفت أن لعبة الأقلية والأكثرية في بلد كهذا لا قيمة كبيرة لها، عندما تقع الواقعة، وأن من يحكم البلد هو عدد محدود ومعدود من الرؤوس الكبيرة. هؤلاء تركوا أتباعهم الصغار في المجلس النيابي وقت الجد، وذهبوا إلى الدوحة واتفقوا ووقعوا دون العودة إليهم. وهو أيضا ما فعلوه حين تأزمت الخلافات بينهم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ نسوا أمر المجلس، وقرروا اللجوء إلى طاولة الحوار، والاستفراد بالاتفاقات باعتبارهم هم أصحاب الأمر والنهي، وكأنما المؤسسات الدستورية التي يتغنون بها، هي ملك ألاعيبهم، عندما يصير البلد الذي يتحكمون «بخناقه» على شفير هاوية. ونحن لن نعتب على الجنرال عون حين يأمر النساء بالصمت أو التعبير، ويفضلهن جميلات وكأنما البشعات لسن مواطنات صالحات، لعلمنا أن ما أعلنه لا يختلف عما يضمره الآخرون، وإلا لكانوا أتحفونا ولو من باب الخجل والمداراة بامرأة أو اثنتين على لوائحهم. وزلة الإعلان العوني، تشبه زلة اللسان حين تفضح مخبوء النفس، فتعريها. وبنتيجة ذكورية سياسية بلغت حدا مقيتا، خصوصا بعد أن تسلحت بقانون ديناصوري الأهداف والمرامي، لن نرى في المجلس النيابي المقبل أكثر من ثلاث نساء أو أربع. والمثير في الأمر أن النساء المرجح فوزهن لسن إلا نائبات عن ذكور غائبين. فالوزيرة الحالية بهية الحريري أخت الشهيد رفيق الحريري، ونايلة تويني ابنة النائب الراحل الشهيد جبران تويني، في ما النائبة الحالية ستريدا جعجع دخلت السياسة من باب حجز مقعد زوجها، في أثناء وجوده في السجن. وإن لم تتسلح المرأة بشهادة وفاة أقرب الأقرباء أو تفويض من زعيم طائفة مكرس، فمن الصعب أن تدخل معترك خناشير السياسة وذئابها، وهو ما نعتقد أنه أشرف للنساء وأنقى. ومن هنا وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ويعود الضالون إلى رشدهم، قد يحسن بالعاقلات من النساء يوم الاقتراع، أن يعفين أنفسهن من إثم التجديد للطبقة الذكورية الحالية التي أقصت النساء حتى الإلغاء، وهمّشت الكفاءات حد الإتيان بأميين. لذلك «عزيزتي المرأة، كوني ما تشائين واسكتي». إن هذا لأهون من شهادة الزور.

[email protected]