على بلد «الملعوب» وديني!

TT

ما اجتمع لبنانيان إلا كان الشيطان ثالثهما، نعم هكذا وبكل بساطة. اللبنانيون لديهم هوس سياسي وهذا الهوس السياسي تحول إلى «حالة» دائمة من الإحساس بأن البلد بأكمله واقع في خانة المفعول به باستمرار. فالسياسي اللبناني عشق نظرية المؤامرة وبات مؤمنا إيمانا كاملا بأن بلاده لن تتحرك بمفردها دون الانصياع لرغبات الآخر الخارجي بشكل كلي، وأن لبنان «قدره» أن يكون تابعا وليس سيدا مستقلا كما يتغنى البعض بشعارات وألحان وأغان في هذا السياق. ولذلك تأتي الانتخابات البرلمانية اللبنانية القادمة كترجمة عملية لهذا المفهوم. فكل الكلام «الملغوم» الواقع ما بين السطور، والاتهامات المبطنة والمعلنة للأطراف المتنافسة عن تبعيتها لهذا الحزب أو هذا التيار أو هذا البلد أو تلك الثورة وهكذا. كل حدث وكل خبر في شأن لبنان السياسي لا بد أن يتبعه «تحليل» سياسي يوضح للناس مغزى ما حدث ومضمون ما جرى بشكل غير قابل للتصديق في معظم الوقت، ولكنه لبنان وسياسته! الإفراج الأخير عن الضباط الأربعة المحتجزين بذمة التحقيق بخصوص جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري أطلق مجموعة لم تنته من التفسيرات والتحليلات عن مغزى هذا الإفراج وأهمية هذا التوقيت والتأكيد أن هناك «صفقة» تم عقدها على حساب أحد الفرقاء، وأن فصيلا بعينه سيعتبر بلا ريب الخاسر الأكبر. وبالتالي يخرج لبنان من مفهوم المؤسسات السياسية ومجرى القانون ومنظومة العدل والقضاء إلى أسر «الملعوب» الأبدي.

كان من الممكن أن يكون للبنان فرصة تاريخية لممارسة حقيقية لفكرة الاستقلال والحرية والتحرر وذلك باتباع مبسط لفكرة إحسان الظن بفكرة الوطن والمواطنة بدلا من اللجوء إلى نظام الكفيل السياسي بامتياز. لبنان بلد غريب وصاحب نهج عجيب. حجم الصور المتناثرة لزعماء وقادة «غير» لبنانيين يفوق عدد صور رموز وزعماء لبنان أنفسهم. أسماء الأحزاب السياسية في لبنان تحمل كلمات «فخمة» ورائعة ومليئة بالعبارات المبجلة، ولكن تبقى الممارسات العملية لتلك الأحزاب وقياداتها بعيدة تماما عن تلك الشعارات وأهدافها النبيلة. المشهد الانتخابي في لبنان يرفع الضغط ويثير الأعصاب، فهو من جديد «يشغل» العالم العربي بتعليقات «صغيرة» واتهامات «طائشة» وسيناريوهات «خيالية» وكلام «ما لو طعمه». لبنان بلد أعطي أكبر من حجمه بكثير وشغل الناس بأكثر مما يستحق وأصبح مستهلكا للجهد والمال والوقت والأعصاب، نفس النغمات ونفس المشاكل ونفس المواضيع منذ استقلاله دون تقدم ودون تحسن. إذا قبل اللبنانيون على أنفسهم واعتادوا بأن يكونوا تابعين سياسيا للغير دون رغبة جادة في التغيير واستمرارهم في التصويت لنفس الرموز الذين أوصلوهم لهذه المرحلة، فما ذنب سائر العرب في متابعة هذا المسرحية الهزلية المملة والاستمرار بالاقتناع بأن هذه «ديمقراطية». أي ديمقراطية يغلق فيها «دكان» البرلمان ويحتفظ رئيسه بمفتاحه في داره لشهور دون حل أو محاولة عقد جلسة، ومن ثم يعاد انتخابه والقبول به وبغيره؟ لبنان نريد طعامكم وجوكم ومناظركم وهواكم أما سياستكم فمعذرة.. ملينا منها.

[email protected]