الانتخابات الكويتية

TT

يخرج الكويتيون اليوم لصناديق الاقتراع، أكثر من ثلاثمائة ألف ناخب وناخبة يحق لهم التصويت. غالبا ما كانت نسبة المشاركة بالانتخابات في الكويت من أعلى النسب في العالم، لكن بعض المراقبين يتوقع إحجاما عن انتخابات هذا العام يفوق كل السنوات الماضية. أعتقد بأن الإحجام ليس كما يتوقع الكثيرون.

وعلى الرغم من أن النتائج لن تظهر قبل صباح الغد، لكن ملامح نتائج هذه الانتخابات قد بدأت بالظهور، وعرفنا مسبقا أن نسبة التغيير في البرلمان الكويتي القادم بلغت 30% مقارنة مع سابقه قبل فتح الصناديق، فقد أحجم بعض النواب عن الدخول في الانتخابات احتجاجا على المشهد السياسي برمته، وكان أبرزهم محمد الصقر ـ رئيس الاتحاد البرلماني العربي. وبعضهم أرغم على الخروج من البرلمان لأسباب حزبية، كنائب الإخوان المسلمين المخضرم ناصر الصانع، أو من خلال الانتخابات الفرعية القبلية المخالفة للقانون وأبرزهم نائب رئيس المجلس فهد اللميع. مراقبون يتوقعون زيادة في التغيير، ولكنه في الغالب تغيير كمي وليس نوعيا، أي إن التغيير سيطال في معظمه الوجوه وليس الجوهر.

التغير الأهم ـ برأيي ـ سيكون في وصول المرأة تحت قبة البرلمان لأول مرة في تاريخ الكويت، وهي خطوة ستعمل على تغيير مفاهيم اجتماعية كبيرة، وستكون خطوة في مسافة طويلة لتمكين المرأة من لعب دور أكبر في مجالات مختلفة بالكويت.

القوى السياسية الكويتية، بشقيها المدني والديني، تعيش حالة من الفرقة والتشرذم والضعف لم يسبق لها مثيل. فالتيار المدني يخوض مرشحوه الانتخابات من دون لافتاته السياسية، ويعلنون استقلاليتهم من تياراتهم وتنظيماتهم السياسية ـ التحالف الوطني الديمقراطي ومظلة العمل الكويتي (معك) والمنبر الديمقراطي. وقد عاش التيار المدني حالة من التناحر الداخلي والانشقاقات طيلة السنوات الثلاث الماضية، وعلى الرغم من بعض جهود رص الصفوف، وتخفيف حالة الاحتقان، فإن التشرذم لا يزال سيد الموقف.

وحتى التيار الديني، بشقيه السني والشيعي، يعيش حالة من الجفاف في الشعارات الدينية الرنانة. فالإخوان المسلمون (الأقدم والأقوى) لم يخض مرشحوهم الانتخابات تحت لافتاتهم، بل وأعلن بعض أعضائهم المعتقين البراءة من التنظيم. والسلف خاضوا الانتخابات بمناطق محددة ليس للقبائل تأثير فيها.

والشيعة السياسية بينهم ما صنع الحداد، ويخوضون المعركة ضد بعضهم البعض في الدائرة الوحيدة التي يضمنون فيها مقاعدهم.

الملاحظ أن انتخابات هذا العام شهدت جفافا في الخطاب السياسي وقصورا في الأجندة الانتخابية، وساد شعور بأن الخطب متشابهة، وبأن الكلام متشابه إلى درجة كبيرة، وبأن حقائق جمة لم يفصح عنها المرشحون، وأن هناك ما كان يجب قوله والإفصاح عنه، لكن أيا من المرشحين لم يتفوه به.

الانتخابات الكويتية اليوم هي الثالثة خلال ثلاث سنوات (2006 ـ 2008 و2009)، وهي حالة تتكرر بشكل لا يوحي بالاستقرار ولا بالنضج الديمقراطي بالكويت. لكني أعتقد أن هذا التعثر متعمد، فالكويت ـ كما في أي مكان في عالمنا العربي العتيد ـ لديمقراطيتها مناصرون ومؤيدون، ولها في الوقت نفسه معادون ومبغضون. وثمة حنين لدى قوى متنفذة تكره المساءلة وتحن للحكم المطلق حنين الخلوج لابنها الذبيح. ألقى هذا الفريق باللائمة على من أسماهم بنواب «التأزيم»، وهي مصطلح فارغ لا يحمل معنى في بلد ديمقراطي يحكمه دستور ولوائح ونظم، وحاولوا جهدهم تعليق كل مشاكل البلد على هؤلاء المؤزمين، وهي حجة تقوي هؤلاء وتعزز فرصهم بالعودة للبرلمان، وإن كان المقصود محاربتهم والتخلص منهم.

الانتخابات الكويتية هذا العام عثرة ما كان يجب لها أن تكون في مسيرة الديمقراطية الكويتية، وهي خطوة يتمنى أعداء الديمقراطية أن تتكرر «ليكفر» الناس بالديمقراطية، وبالتالي تتهيأ الأجواء للانقلاب على الديمقراطية والحياة الدستورية مرة وإلى الأبد...