لماذا غضبوا من عباس لا بشار؟

TT

أحيانا تبدو ردود الفعل مثيرة للاستغراب مع أنها متوقعة. فعندما سافر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى سورية هاجت الفصائل الفلسطينية المعارضة المقيمة في دمشق، ووصفتها بزيارة النفاق، وبدا على قياداتها حالة من الغضب الإضافية. الكل يعلم أصول العلاقات والزيارات، فما كان بإمكان الرئيس أبو مازن أن يطأ بقدمه مطار دمشق لولا أن القيادة السورية وافقت على حضوره. فهو في مقامه الرسمي لا يستطيع حجز مقعد على أول طائرة متجهة إلى هناك، لا بد أن مراسلات عديدة سبقت زيارته حول متى، ولماذا سيزور، ومن سيرافقه، وغيرها من الأسئلة التقليدية وغير التقليدية، التي تنتهي عادة إما بالموافقة، أو بالرسالة المألوفة «الرئيس مشغول في الوقت الحاضر»، وهي كلمة رفض مؤدبة. عرف كل حكومات العالم تمارسه، أي أن الدولة المضيفة شريكة في اللقاء وليست مجبرة عليه. التصريحات الناقدة تبدو في حقيقتها موجهة ضد القيادة السورية التي استقبلت أبو مازن رغم أنه لم يدخل حماس وغيرها في حكومته الجديدة.

الفصائل، التي هاجت عندما شاهدت الرئيس بشار الأسد يستقبل أبو مازن، ربما عبرت عن خوفها ليس من زيارته فقط بل مما قد يأتي لاحقا، عندما يطلب منها أن تسافر إلى طهران أو السودان. وهي عوضا عن نقد الرئيس السوري لم تجد سوى مهاجمة أبو مازن واعتبرتها زيارة مرفوضة. أبو مازن لم يقطع علاقته أبدا مع السوريين فقد سبق أن زار دمشق من قبل، وشارك في قمتها العربية، في وقت استبعد كثيرون مشاركته بسبب الانقسام الحاد في المنطقة. الفصائل المقيمة في دمشق هاجمته مع أن الرجل عرض عليها أن تشارك في حكومته الفلسطينية الجديدة، دون أن يطلب منها أن تعتذر عما فعلته في أحداث غزة الدموية وجرائمها ضد قيادات فتح ومنسوبيها الذين رموا أحياء من الأدوار العليا حتى الموت، وآخرين لاحقتهم ميليشيات حماس تريد قتلهم حتى اضطروا إلى الهرب إلى إسرائيل.

الماضي صار وراءنا والمستقبل ملامحه تبدو واضحة، وما لم تقرأ هذه الفصائل رسالة الاستقبال السورية، بالغة الحفاوة بالرئيس الفلسطيني، وتترجمها سياسة جديدة، فإنها تكون قد وضعت نفسها في الزاوية عندما يأتي يوم تضطر إلى المصالحة في زمن خاطئ. خلال الأشهر القليلة المقبلة تكون قد دارت عجلة المفاوضات، وسيكون من بين شروط التفاوض التخلص من القيادات الفلسطينية في دمشق ما لم تتدارك الفصائل أوضاعها وتصالح القيادة الفلسطينية وتبحث عن غطاء عربي عريض يخفف من الضغوط على سورية. عليها أن تنحني للعاصفة المقبلة أو أن تستعد للسفر إلى طهران، حيث سيستخدمها الإيرانيون في مزيد من معاركهم ضد الدول العربية والأطراف الفلسطينية، وعندما يحين الوقت سيقوم الإيرانيون ببيعهم لطرف ثالث.

[email protected]