السجل الأسود للقهوة (2)

TT

لم يمض مقالي «السجل الأسود للقهوة»، المنشور الأربعاء الماضي، دون احتجاج من قبل المنحازين لذلك السائل السحري العجيب، ولا من شماتة رئيس التحرير بي، وهو يجد تعليقات القراء غير المحايدة تميل لصالح معشوقته القهوة، وكنت تحدثت في ذلك المقال عما علق بالقهوة من شبهات دينية وسياسية وأمنية، وكيف كان رجال الحسبة يكسرون أوانيها الفخارية على رؤوس شاربيها وصناعها، والحساسيات التي نشأت بين اليونانيين والأتراك إبان انتشار مصطلح القهوة التركية، حيث يصر اليونانيون على تسميتها بالقهوة الإغريقية، مشيرا أيضا إلى حادثة أخيرة ألقت خلالها الشرطة البريطانية في مدينة «هل» القبض على طالب سعودي بتهمة حيازة مخدرات في ثلاجة منزله، وبعد الاستجواب والتوقيف والتحاليل تم إطلاق سراحه بعد اكتشاف أن البودرة التي وجدت داخل كيس في ثلاجة منزله لم تكن سوى قهوة عربية مطحونة، وقد أعلنت في نهاية المقال انتمائي إلى فريق الشاي الآمن، المهادن، المسالم.

وكانت أولى رسائل الاحتجاج من الزميل أيمن زاهد، الذي أكد عدم براءة الشاي أيضا من الشبهة السياسية، موردا كيف قاطع الأميركيون الشاي القادم من الهند احتجاجا، إبان الوجود البريطاني في أميركا، وكيف كانت تعود شحنات الشاي إلى الهند ضمن مغلفاتها دون أن تمسها أيدي الأميركيين، وفي تلك الفترة بالذات تعلق الأميركيون بالقهوة، وغدت شرابهم المفضل والأثير، ولولا السياسة ـ قاتلها الله ـ لظل الأميركيون من شاربي الشاي كغيرهم من خلق الله.

لكن أعظم نصرة تلقيتها من صحيفة «الوطن» السعودية، التي نشرت الجمعة الماضي خبرا مطولا عن الشاي في السعودية تشير فيه إلى أن الأسواق السعودية وحدها تستورد سنويا نحو 11 ألف طن من مادة الشاي، بقيمة إجمالية تزيد على 228 مليون ريال، وأن معدل ما يشربه السعوديون من الشاي يبلغ أكثر من مليون لتر يوميا.

وأطرف ما اتصل بالأمر، ذهابي مساء أمس إلى مقهاي المفضل في منطقة جدة التاريخية بعد جولة طويلة على أسواق جدة العتيقة كـ«الندى»، و«قابل»، و«الخاسكية»، و«العلوي»، لأطلب من النادل فنجانا من القهوة التركي، فبحلق النادل اليمني في وجهي مليا قبل أن يمضي إلى الداخل، ويعود حاملا كأسا من الشاي يضعه أمامي، وهو يقول باسما: «تنتقدون القهوة في النهار، وتشربونها في الليل، لا والله ما إلك غير الشاي!».

ويبقى السؤال: إذا كان السعوديون ـ كمثال ـ يستوردون 11 ألف طن من الشاي سنويا، ويشربون أكثر من مليون لتر يوميا منه، فلماذا يصرون على إطلاق اسم «مقهى» على المكان الذي يبيع الشاي؟! أليس من العدل أن يقال عنه «مشهى»؟

[email protected]