بيوت في أبيات

TT

الضنك الذي عاشه كل من ابتلي بالفكر والشعر والفن ظاهرة عالمية، ولكنه يأخذ في عالمنا العربي شكلا مشينا وأليما حقا، نلمسه في البيوت التي قضوا فيها حياتهم وأنجزوا أعمالهم. يأتي في المقدمة معروف الرصافي الذي قضى شرخا طويلا من حياته في مسكن حقير بجوار المبنى العام في بغداد. زار القصر المنيف لأحمد شوقي في القاهرة فشده وعاد ليقول لأصحابه: لا عجب في أن ينظم هذا الشاعر كل هذه القصائد الرقيقة وهو يسكن منعما بهذا القصر المترف. ولكن شاعرا مصريا آخر لم يكن على مثل هذا الحظ. بدأ الشاعر أبو حفصة جمال الدين الجزار حياته في الجزارة قبل أن ينتقل إلى الشعر. ولكن نصيبه منه لم يكن أفضل من نصيبه كجزار، فلم ير غير أن يعود لمهنته الأصلية في أواخر عمره. على الأقل يستطيع كقصاب أن يشم رائحة اللحم. وصف بيته في كلتا الحالتين بهذه الأبيات:

ودار خراب بها قد نزلت

ولكن نزلت إلى السابعة

طريق من الطرق مسلوكة

محجتها للورى شاسـعة

فلا فرق ما بين أني أكون

بها أو أكون على القارعة

تساورها هفوات النسيم

فتصغي بلا أذن سـامعة

وأخشى بها أن أقيم الصلاة

فتسجد حيطانها الراكعة

إذا ما قرأت «إذا زلزلت»

خشيت بأن تقرأ «الواقعة»

وقد روي عن هذا الجزار الشاعر أنه لمح صديقا يقصد بيته فهرب من الدار تفاديا للحرج. ويظهر أن الدار لم يكن لها أي باب، أو كان لها باب ولم يكن فيها أي قفل. فدخل الضيف وراح يبحث عن أي شيء يأكله. فخرج إلى السوق وابتاع طعاما وعاد لبيت الشاعر. أكل وترك شيئا من الطعام مع بطاقة بليغة قال فيها:

يا أيها الهارب من بيته

وخارجا منه على خوف

ضيفك قد جاء بما تشتهي

فعد وكن ضيفا على الضيف

وعند رجوع أبو حفصة وجد كل هذا المتبقي من فضلات الطعام. وقرأ الوريقة فكتب تحتها:

كل من طعام أنت أعددته

واترك لنا الباقي على الرف

وغادر الدار فكم ساءني

أن التقي فيه مع الضيف!

وأوجز شاعر آخر وصف حالته المعيشية بهذه الكلمات:

يا رب إني قاعد كما ترى

وزوجتي قاعدة كما ترى

والبطن مني جائع كما ترى

فما ترى يا ربنا فيما ترى؟

www.kishtainiat.blogspot.com