حينما هبت رياح العالم الثالث على أميركا!

TT

لم يأت نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني بجديد يخرج عن المألوف لتبرير تقنيات الاستجواب المثيرة للجدل، التي استخدمت إبان الإدارة الأميركية السابقة، فهو يرى أن هذه التقنيات أدت إلى إحباط اعتداءات على بلاده من قبل الإرهابيين، وهي لا تختلف كثيرا عن الذريعة التقليدية الشائعة، والمألوفة، والمتكررة، وغير المقنعة، التي يبرر بها البعض تعذيب ضحاياهم، حينما يلبسون ممارساتهم الخاطئة غايات سامية، وحسنا فعلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قبل أيام، حينما رفضت طلبه نشر مذكرتين تبرران استخدام تلك التقنيات.

وإشكالية تلك الحقبة الأميركية لا تقتصر نتائجها السلبية على الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها انعكست على تراجع مبادئ حقوق الإنسان في مناطق كثيرة من العالم، فحينما تورطت أميركا في فضائح التعذيب وانتهاك حقوق المعتقلين، وهي التي اعتادت أن تكون حاملة لواء الدفاع عن تلك المبادئ، فقد العالم بهذا التورط الأميركي القوة العالمية الضاغطة، أو الرادعة لانتهاكات حقوق الإنسان في أماكن كثيرة من العالم، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة في عهد الإدارة السابقة أن تلعب دورا مقنعا للآخرين بمراعاة حقوق الإنسان في ظل الانتهاكات التي سادت بعض سجونها.

اليوم تعيش أميركا حقبة جديدة في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما الذي يحاول جادا استعادة قيم أميركا، وتجميل وجهها في عيون العالم، خاصة ما يتصل منها بقيم حقوق الإنسان، وسيضطر أوباما إلى فتح الكثير من الملفات التابعة للإدارة السابقة، لأن ضحاياها لا يزالون أحياء، وبمقدورهم الحديث عن معاناتهم، وليس أمام أوباما من خيار سوى التبرؤ من تلك الممارسات ونقدها؛ لتتسق صورته مع القيم التي حملته إلى كرسي الرئاسة من ناحية، ولتخفيف حالة الاحتقان تجاه الولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى، فالولايات المتحدة في فترة الرئيس جورج بوش انتمت في بعض ممارساتها إلى مناخات العالم الثالث بامتياز، وكانت صورة الرئيس بوش شديدة التناقض، وهو يتحدث عن الأنظمة المستبدة، في الوقت الذي كان بعض رجاله في سجن «أبو غريب»، وغوانتانامو يبتكرون تقنيات تعذيب أشد، وأنكى، وأخطر من الأساليب التي تمارسها تلك الأنظمة التي يتحدث عنها.

واليوم حينما يحتفي العالم بأوباما، فإنه يحتفي ببارقة الأمل في أن تستعيد أميركا وجهها الإنساني المألوف الذي حجبت إدارة بوش إشراقته الرائعة عن عيون العالم.

[email protected]