كيل الصاع صاعين

TT

من الصعب الجدال في ما حققه الرئيس الأميركي باراك أوباما حتى هذه اللحظة من الإعداد للحملة الانتخابية والوصول للحكم، لكني أعتقد أن عليه أن يتعلم التفكير في أن يكون دراماتيكيا تبعا لمتطلبات الموقف. فالأداء المسرحي أحد الأسلحة في ترسانة أي قائد دولة، واستغلالها في التوقيت المناسب يمكن أن يكون له تأثير أكبر من حزم أوراق السياسة.

وقد أغضب أوباما منتقديه بأنه تعامل خلال قمة الأميركتين الأخيرة في ترينداد وتوباغو مع رؤساء دول أميركا الجنوبية على أنهم نظراء له. وقد كان موقف أوباما في التعامل بنوع من المساواة مع الآخرين خروجا عن المألوف وفات أوانه منذ زمن طويل. غير أننا لم نجن شيئا من إصدارنا الأوامر لجيراننا وتعزيز الصورة القديمة للعجرفة الأميركية المفرطة.

وقد وقع حدثان خلال القمة كان من الواجب على أوباما إضفاء بعض الانفعال إليهما. كان أولهما محادثته مع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي تأتي شخصيته العامة على طرفي نقيض مع أوباما، فشافيز ينتهج الأسلوب المسرحي طوال الوقت، وقد غلف في غالبية تقديم نفسه إلى القائد الأميركي الجديد بالابتسام والمصافحة وقدم له كتابا يتناول التاريخ الطويل والمؤلم للتدخل الأميركي في أميركا اللاتينية.

كما يجب أن يشار أيضا إلى أن شافيز اكتسب قواه التنفيذية الهائلة ـ فهو يرغب في أن يصبح رئيسا مدى الحياة ـ عبر صندوق الاقتراع، على الأقل. غير أن هناك استحالة في التغافل عن أساليبه غير الديمقراطية في إسكات المعارضين وتحييد أي معارضة محتملة. وعلى الرغم من استخدامه للنفط لتعزيز حكم كاسترو في كوبا، فإنه غير اشتراكي تماما. فهو ليس أكثر من مزيج النمط القديم دكتاتور أميركا اللاتينية القوي وليس نموذجا للقرن الحادي والعشرين.

أما الحادثة الأخرى بالنسبة للأداء المسرحي للرئيس، فقد كانت خطبة، دانييل أورتيغا، رئيس نيكاراغوا التي امتدت لخمسين دقيقة وامتلأت بالانتقادات، والتاريخ الطويل والقذر للتدخل الأميركي في أميركا اللاتينية. وعندما سئل أوباما بعد ذلك عن خطبة أورتيغا قال إنها «امتدت لخمسين دقيقة».

كان أوباما محقا في عدم التراجع عن إلقاء كلمته، لكن الصورة التي بدا بها شافيز وخطاب أورتيغا كان الهدف منها أن تكون صفعة للولايات المتحدة. وعندما تحدث أوباما بعد ذلك كان عليه أن يصدر دعوته الموعودة «بشراكة متساوية» مع الدول الأخرى في أميركا الجنوبية بأنها ستضم تلك الدول التي تفضل تجاوز خلافات الماضي بدلا من حملها إلى المستقبل.

أرغب من الرئيس أوباما أن يكون شخصا غير الذي هو عليه، ولكن القضية تكمن في تراجعه عن استخدام واحدة من أدوات وضع حد للأمور. ففي الوقت الذي ازداد فيه الغضب الشعبي بشأن خطة إنقاذ البنوك، ربما سمح انفجار الغضب الرئاسي في الوقت الملائم بالتغلب عليه.

كان أوباما محقا في إظهار احترامه لقادة الدول المجاورة الصغيرة والكبيرة في قمة الأميركتين. لكن أولئك الذين لم يكونوا مهذبين بما يكفي لإظهار احترامهم له لا يستحقون سوى الصفع ـ المجازي بالطبع، وفي ضوء التعاون مع أميركا الجنوبية ـ بمؤخرة اليد الرئاسية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»