أين هو الجزء الأهم؟

TT

متى سيحارب الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومتى سيتوقف؟ هذا أمر غير واضح تماما، ولقد بدأ يساورني القلق حيال احتمالية وجود نزعة رئاسية كبيرة للتقهقر. فمع كل هذا التباهي بشأن اتخاذ الخيارات الصعبة والاضطلاع بالمصالح الراسخة، توجد القليل من الأدلة على رغبة الرئيس في القيام بذلك عندما يحبط حلفاءه.

وقد أعلن أوباما في خطابه خلال حفل التنصيب: «زمن التشبث بحماية المصالح الضيقة وإرجاء القرارات الكريهة على النفس ولى دون رجعة».

حسنا، لا أعتقد أن هذا قد حدث بالضبط. انظر إلى مصير العديد من الاقتراحات داخل ميزانية أوباما، والتساؤل الذي ينشأ لن يكون تساؤل والتر ماندول الشهير «أين اللحم البقري؟» ولكن «أين هو الجزء الأهم؟»

لكن قد يكون من المبكر جدا معرفة ما إذا كان ذلك القلق مبررا، إذ لا يحصل أي رئيس على ما يقترحه في الميزانية أو غيرها، ومعارك الانتقاء جزء من فن سياسات الرئاسة.

ليس عليك سوى أن تسأل جيمي كارتر، الذي اختار أمرا خاطئا مع الكونغرس، في بادئ الأمر، بتبني قرارات النواب بمشروعات المياه لكنه عدل عنها بعد ذلك مستخدما الفيتو الرئاسي. وقال ستيوارت إيزنتات، مستشار كارتر مستدعيا ما حدث خلال عام 1982، «لقد أقنع ذلك الناس بأنه لم يكن راغبا في الالتزام بالمواقف الصعبة».

لكن، كما نصح ميكافيلي، فإنه من الأفضل بالنسبة للقائد أن يكون مرهوب الجانب على أن يكون محبوبا، وعليه نسأل عما إذا كان أوباما مخيفا بدرجة كافية. وإذا ما نحينا الجمهوريين جانبا، فمن من الديمقراطيين في الكونغرس يخشى من أوباما؟

لقد اقترح أوباما وقف مدفوعات الدعم التلقائية، التي تذهب للفلاحين، التي تزيد عن 500.000 دولار في العام وتحديد الحد الأقصى للمدفوعات بـ250.000 دولار على غرار محاولة فاشلة لإدارة بوش.

وقال كولين بيترسون، العضو الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا ورئيس لجنة الزراعة بمجلس النواب «اقتراح مرفوض منذ طرحه»، ومن ثم فإنها تبدو بالنسبة للكثيرين احتجاجا صامتا من الرئيس. ولم تشمل المخططات التمهيدية لميزانية مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أي قيود على دعم المزارعين.

واقترح أوباما أيضا إنهاء البرنامج المغري للدعم الفيدرالي للبنوك الخاصة، التي تقدم القروض الخاصة بالطلبة، وتوفير ما يقرب من 100 مليار دولار خلال العقد المقبل، عبر تقديم القروض من الحكومة مباشرة، تماما كما حاولت إدارة كلينتون قبل أعوام.

وكانت المحصلة أن أشارت نسخة الميزانية، التي أقرها مجلس الشيوخ دعم المجلس «لبرنامج تنافسي لتوفير قروض للطلاب.. مع خيار شامل لمنتجات القروض والخدمات». وحثت نسخة مجلس النواب على الخيارات التي «ستحافظ على دور للمقرضين (المصرفيين)» أو بعبارة أخرى تلك لا تعتمد على البنوك في أي وقت في القريب العاجل.

و لم يستطع أوباما أن يقدم على اقتراح بتعديل يسمح لوزارة شؤون المحاربين بالدفع لشركات التأمين الخاصة، في حالة قدامى المحاربين، الذين يحظون بهذه التغطية، على الإصابات التي تعرضوا لها خلال الخدمة. وبعد صرخة من جمعيات المحاربين القدامى، ورفض أعضاء مجلس النواب، والاجتماع العاصف بين المحاربين القدامى ورئيس العاملين في البيت الأبيض رام إيمانويل، تراجعت الإدارة.

بإمكاني الاستمرار. الاتجاه إلى تقييد الخصومات الضريبية، التي يتمتع بها الأثرياء الأميركيون؟ لقد أعلن عنه، ونحي جانبا حتى الآن على الأقل. وماذا عن فكرة تشكيل لجنة للتعامل مع نظام الضمان الاجتماعي؟ لم يتم حتى الإعلان عنها. كما يرغب الرئيس في الحفاظ على ضرائب العقارات على مستواها الحالي مع إعفاء سبعة ملايين دولار للزوجين. لم يكن ذلك جيدا بما يكفي بالنسبة لبعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين تحدوه عبر إقرار هدية أكبر للأثرياء.

وكانت أحد اكبر الأفكار تتعلق بسن قانون التعامل مع الانبعاثات الغازية، الذي يعالج التغير المناخي وهو غير موجود في مخططات الموازنة.

لذا سامحوني إذا كنت قد استمعت إلى وزير الدفاع روبرت غيتس، وهو يشرح مجموعة من التعديلات الذكية والمعقولة في نفقات وزارة الدفاع، وجاء في فكري: «حظ سعيد في ذلك»، فأجزاء من طائرات إف 22 التي يرغب غيتس في وقف شرائها يتم تصنيعها في 44 دولة، فهل سيساند الرئيس تلك المعركة؟

ويقول مستشارو أوباما: إن قرارات كلا المجلسين الخاصة بالميزانية تلتزم بخطة الرئيس. ويقول بيتر أورزاغ، رئيس لجنة الموازنة: «قد لا تكون القرارات مطابقة لما قاله الرئيس لكنها قريبة منها».

ويقول المساعدون عن الأمر الأكثر أهمية هو أن المحصلة النهائية قد تمهد الطريق أمام إصلاحات الرعاية الصحية عبر التصويت بالأغلبية، ويمكن أن يمهد ذلك الطريق لانتصار كبير يكفي لمحو ذكريات التسويات والتنازلات.

وسيكون التحدي بالنسبة للرئيس خلال الأسابيع المقبلة، هو تجنب التخلي عن الكثير مما يمكن أن يقوض من قوته، وهو أمر ليس من السهل تدرجه. وفي النهاية فإن أمير ميكافلي لم يكن عليه التعامل مع رؤساء اللجنة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«"الشرق الأوسط»