في انتظار نتانياهو

TT

الرئيس الأميركي، الذي بذل بدرجة أكبر لصالح إسرائيل ليس هو ترومان، الذي اعترف بالدولة اليهودية فور تأسيسها تقريبا، ولم يكن جون كيندي، ولا ليندون جونسون، ولا ريتشارد نيكسون، ولا غيرالد فورد، ولا رونالد ريغان، ولا جورج بوش الأب، ولا جورج بوش الابن، ولا بيل كلينتون.

قدّم هؤلاء جميعا دعما اقتصاديا للحليف الأميركي، وأمدّوه بالسلاح، ووقفوا إلى جانبه في اللحظات الصعبة، بدءا من حرب الأيام الستة عام 1967 إلى حرب 2006 ضد حزب الله في لبنان.

ولكن، الرئيس الذي بذل بمقدار أكبر لصالح إسرائيل هو جيمي كارتر، وهو نفسه من يوصف في بعض الأحيان على أنه كاره لإسرائيل. لم يتورع خلال ظهوره في العديد من المحافل في مختلف أنحاء العالم عن انتقاد الأخطاء التي تقوم بها إسرائيل. والحق أن هذا الكره شعور متبادل.

عودة إلى 1977- 1978 عندما حصلت محادثات السلام بين مصر وإسرائيل، التي بدأت قبل ذلك بعام بين رئيس الوزراء مناحم بيغن، والرئيس أنور السادات. كانت هناك قضايا محل خلاف، مثل مساحة الأرض التي سوف تعيدها إسرائيل، ومصير المستوطنات في سيناء، وغيرها.

وعن طريق عقد الاجتماعات هنا وهناك، ومن خلال ما كان ينظر إليه بصورة متزايدة على أنه سيرك متنقل، أحاط المستشارون ورؤساؤهم ببعضهم بعضا في محاولة للوصول إلى اتفاق يمكن أن يكون مقبولا لدى كلا الطرفين.

ودخل في الصورة موشيه دايان، الجنرال ووزير الدفاع الأسبق ذو العين الواحدة، الذي يتسم بالمكر، حيث كان يعمل وزير خارجية لبيغن. وعند عقد الاجتماعات الأولى مع ممثلي الجانب المصري في صيف 1977، كان يتصرف بسرية كبيرة، لدرجة أنه كان يرتدي قناعا، ويستخدم أسماء مستعارة. ولأنه كان يخشى من الفشل، فقد دعا بيغن إلى إشراك الأميركيين في الأمر.

وعلى الرغم من أنه لم يستطع يوما أن يقول ذلك، فإن السبب الذي جعل دايان يرغب في دخول الأميركيين هو الضغط على بيغن. وكان رئيس الوزراء قد جاء إلى السلطة مع وعد بصيانة الحكم الإسرائيلي على الأراضي المحتلة.

وكان يمكن أن يدفع تغييره لرأيه أعضاء حزبه الليكود إلى ترك الائتلاف، والنتيجة، كما كان يعلم دايان، هي سقوط الحكومة، وانتهاء أي أمل في تحقيق السلام.

وفي النهاية، انتصر دايان، فمع إلزام الرئيس كارتر نفسه بعملية السلام، وجد بيغن نفسه في موقف كان عليه فيه التحوّل إلى تابعيه ليسألهم، وتقريبا بصورة حرفية «هل تريدون حقا الاشتباك مع الولايات المتحدة؟». تفهمت الأغلبية وجهة نظره، وعندما حان وقت اتخاذ قرار، صوتوا في الاتجاه الصحيح.

وثمة سبب آخر يوضح كيف استطاع بيغن تمرير التصويت من خلال الكنيست، وهو أنه استطاع الاعتماد على دعم حزب العمل، الذي كان حينئذ في المعارضة. وبهذا، كان قرار التصديق على الاتفاقية مؤيدا من كلا الحزبين في الحقيقة، ومدعوما من أغلبية قوية، ويمثل جميع من كانوا الأفضل والأكثر عقلانية والأكثر حبا للسلام في المجتمع الإسرائيلي.

وفي الوقت الذي يستعد فيه الرئيس باراك أوباما لاستقبال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في أول لقاء بينهما، نجد أن الموقف شبيها جدا بما كان في عام 1978.

ومثلما كان الحال حينئذ، فإن إسرائيل يحكمها ائتلاف يميني. ومثلما كان الحال حينئذ، فإن بعض عناصر الائتلاف، وتحديدا الحزب الذي يقوده وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، أكثر عدوانية من رئيس الوزراء وحزب الليكود.

ومثلما كان الحال حينئذ، فإن المحادثات مع الجانب الآخر ـ ولكن هذه المرة مع الفلسطينيين ـ مستمرة، ولكنها لا تسير في اتجاه محدد. ومثلما كان حينئذ، فإنه في الوقت الذي يعارض بعض أعضاء الائتلاف الحاكم في إسرائيل بشدة تقديم أية تنازلات للفلسطينيين، يوجد في الكنيست حزب معارضة قوي. ويسمى هذا الحزب حزب كاديما، وبرنامجه هو الوصول إلى سلام مع الفلسطينيين. وكما كان الحال مع حزب العمل حينئذ، فإنه سوف يعطي الأصوات الضرورية، إذا دعي إلى القيام بذلك.

ويكمن الاختلاف الأكثر أهمية في الشخصيات، أن بيغن كان زعيما سياسيا قادرا على حشد الناس، يتحلى بالأمانة، ويؤمن عاطفيا بحق إسرائيل في الاحتفاظ بالأراضي، ولكن نتانياهو إنسان غير أمين، يؤمن بالقليل جدا، ربما لا يؤمن إلا بما يحقق تقدما لشخصه. وعلى عكس بيغن الذي يتسم بشفافية واضحة، فإنه يمكن أن يباع.

وخلال الاستعداد للقائه، يجب على الرئيس أوباما أن يحافظ على السابقة التي قدمتها الاتفاقية بين إسرائيل ومصر في ذهنه. وبغض النظر عما يقولونه على الملأ، فإنه منذ أعوام كثيرة ينتظر كلا الطرفين في الشرق الأوسط في الخفاء ظهور كارتر جديد، تكون مهمته أن يقرع رؤوس بعضهم بعضا، ويجبرهم على القيام بما يعجزون أنفسهم عن القيام به، وتحديدا التخلي عن مزاعمهم المتطرفة؛ والوصول إلى اتفاق.

وربما لا تكون النتيجة، بل إنه في حكم المؤكد، وفق ما يهواه كلا الطرفين. ومع ذلك، فإنها بالتأكيد سوف تطفئ الكثير من الشرارات التي يمكن أن تؤدي إلى حريق هائل جديد. وببعض التوفيق، يمكن أن يكون حصيلة ذلك.. سلام دائم في الشرق الأوسط، وانتهاء مشكلة تؤرق الولايات المتحدة.

* مؤلف لأكثر من 20 كتابا عن الاستراتيجية والتاريخ العسكري.. ومن بينها كتاب «تحوّل الحرب»

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ(«الشرق الأوسط»)