واها من الضيف الثقيل!

TT

الضيف الثقيل باب من أبواب الفكاهة العربية لا أعرف نظيرا له في الآداب الأوروبية، وربما ولا في آداب الآخرين. سبب تفردنا به تمسكنا بالأدب واللياقة والكرم والاحترام المفرط. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى الفقر والجوع الذي يضطر المرء إلى استغلال متطلبات الأدب والكرم واللياقة للتطفل على الآخرين إلى حد الإثقال عليهم. وهكذا نمت حكايات وطرائف عديدة عن الثقلاء في لوذعياتهم ووسائل التخلص منهم.

لا يعرف الغربيون نظيرا لها لأنك لا تستطيع أن تدخل بيوتهم دون موعد محدد وبشروطه وإطاره وتوقيته. وإذا فعلت، فليس من العيب على الأوروبي أن يردك بقوله: «آسف أنا ما عندي موعد معك». أو «آسف أنا مشغول». لا تستطيع أن تفعل ذلك في بلادنا. إنها تقاليد البادية عندنا، حيث تكون الخيمة مفتوحة دائما والضيف العابر منحة ونعمة. تصف الرجل الطيب والكريم بقولك: «باب بيته مفتوح».

بالطبع، هذا شيء جميل في البادية، حيث تستبشر بأي عابر سبيل يسامرك ويتحفك بأخباره وخبرياته. ولكنه في الحواضر يصبح مشقة ومتاعب. وهذا هو المطب الذي أصبح مسرحا للدراما والكوميديا، وهو ما نحن بصدده.

أزعج ما يكون أن يثقل المرء على مريض تعبان. وهو ما حصل. سأل العائد الثقيل مريضا على الفراش أتعبه بهذيانه وسماجته: «ما تشتهي يا صاحبي؟» فأجابه قائلا: «أن تعود إلى بيتك»!

لا بد أن أكثرنا عانى من مشكلة الضيف الثقيل الذي تستضيفه في بيتك ولا تدري كيف تتخلص منه بأدب. فطن رجل إلى وسيلة مؤدبة لهذا الغرض. ما إن يبدأ بالتضايق من ضيفه حتى يعرض عليه خاتمه ويقول: «ما رأيك يا صاحبي بخاتمي هذا؟ ألا يعجبك؟»، يعاين الضيف الخاتم بشوق فيرى هذه العبارة منقوشة عليه: «أثقلتَ فقم»!

ولكن ضيفا آخر كان في تمام الحذق. أطال البقاء في بيت صاحبه الذي لم يعرف كيف يتخلص منه. استدرجه إلى باب الدار وقال له: «كيف نشاطك وقدرتك على القفز؟ أنا أستطيع أن أقفز من عتبة هذا الباب ثلاثة أذرع»، وفعل ذلك فقفز، ثم قال للضيف: «أرني كم تستطيع أن تقفز أنت». فقفز إلى داخل البيت ذراعين. قال له المضيف: «أوه! يا أبا عبد الله، أنت لم تستطع غير ذراعين». فأجابه: «ذراعان للداخل خير من ثلاثة أذرع للخارج!».

عاد رجل إلى بيته في الموصل فسألته زوجه عما حمله للعودة بهذه السرعة بعد عشرين يوما من بيت ابن عمه في بغداد. فأجابها قائلا: «أنا رجل لي إحساساتي وكرامتي مثلما تعرفين. وتكفيني الإشارة الخفيفة. عدت لبيت ابن عمي ووجدت الباب موصدا وكل شنطي وأغراضي مرمية على الرصيف».

www.kishtainiat.blogspot.com