الكويتيون عاقبوا المشاغبين.. ولكن

TT

صحيح أن التصويت في الكويت أخيرا جاء مختلفا ومفاجئا بعد حل ثلاثة برلمانات وثلاثة انتخابات في ثلاث سنوات. فقد اسقط الناخب الكويتي هذه المرة رموز الفوضى، فيما يبدو كحركة تصحيح شعبية. ورغم ذلك سيستمر البرلمان الكويتي كمصدر التوتر السياسي حتى تقتنع الأطراف المختلفة، التشريعية والتنفيذية والقيادة السياسية العليا، بأن تصحيح النظام أهم من كسب الأصوات الايجابية في الانتخابات. تصحيح النظام مسألة دائمة، أما الأصوات فهي حالة مؤقتة.

وبعد التجارب الطويلة لا بد أن في الكويت طرفا يملك مشروعا لتعديل الدستور، يصحح الحقوق والواجبات في علاقة مجلس الأمة بالحكومة والمجتمع؟ الوقت أصبح مناسبا لابراز المشروع أو ابتداعه. فمن ركائز الدستور حماية حقوق الأفراد والجماعة، وعلى رأسها حماية الحريات، تلك التي داسها البرلمانيون في السنوات الأخيرة باسم الديموقراطية وأغلبية الأصوات، بمنع الكتب ومحاسبة أهل الرأي، ومنع الفنون. فالبرلمانيون يظنون أنهم يملكون الحق في ذلك، وهم بالفعل يملكونه باسم النظام، بمنح أو منع الحرية الشخصية مما جعل كل ما حققه الكويتيون على مدى نصف قرن يذبح باسم الديموقراطية والتمثيل النيابي. وهذه ليست مشكلة الكويت وحدها بل نراها في كثير من التجارب الديموقراطية الناشئة التي تمنح البرلمان كل حقوق الأفراد يقررون عنهم بالنيابة بدعوى أنهم ممثلو الشعب.

الشق الثاني في العلاقة التي تحتاج إلى تصحيح حماية الحكومة من «الابتزاز» البرلماني عندما يبالغ في استخدام الصلاحيات الممنوحة له في المساءلة. وقد يرى البعض المساءلة ركيزة الديموقراطية، وهذا صحيح لو كانت المساءلات مؤطرة، بحيث تحقق الردع دون أن تتسبب كل مرة في إسقاط الحكومة كاملة، وكذلك لو كانت المساءلة لا تعطل المشاريع في بلد يعيش كله على خدمات الحكومة. تنظيم العلاقة يعني منح الحكومة فرصة العمل، بحمايتها من الإسقاط طوال فترة عملها. هنا قد يمنح مجلس الأمة حق إقرار الموافقة على الوزراء عند اختيارهم لمرة واحدة، وبعد ذلك يصبح الوزير غير قابل للإسقاط إلا في قضايا بالغة الخطورة أو مخالفات دستورية. حاليا يستطيع بضعة نواب القضاء على أي وزير، وجر كل الحكومة إلى الهاوية، ويستطيعون منع أي مشروع، أو تعطيله لاحقا. وهذه الفوضى المستمرة ترجع أصلا إلى خلل في تركيبة المجتمع السياسي بسبب غياب الأحزاب التي تعتبر مراكز النشاط البرلمانية، فيلعب حزب الأغلبية دور الحامي داخل المجلس.

بدون إصلاح جذور العلاقة فان الأزمة السياسية في الكويت ستستمر، بل ستتصاعد، مع تزايد الخلافات وتراكم الحسابات بين الأطراف المختلفة. وهنا يمكن أن نقرأ صوت المواطن الكويتي الذي اسقط أعمدة الشغب هذه المرة بأنه يرفض إساءة استخدام صوته، ويريد علاقة بناءة. ولا يمكن أن توجد علاقة بناءة بدون وجود قواعد دستورية، على اعتبار أن الدستور أعلى من البرلمان. والعلاقة البناءة لا تعني أن عضو مجلس الأمة يتخلى عن حقه في المساءلة والمحاسبة بل تنظمها.

[email protected]