هل خضع بريمر للكرد وحل الجيش العراقي؟

TT

في مرحلة مبكرة من التخطيط لإسقاط النظام السابق، قامت مراكز دراسات أميركية بمناقشة وضع الجيش العراقي، وكيفية التعامل مع البطالة التي يولّدها قرار بحله، شارك فيها العديد من الضباط العراقيين، واعتذرت عن الحضور. مما أعطى مؤشرا عن وجود أفكار مطروحة بهذا الاتجاه، إلا أن الإدارة الأميركية لم تلمح في كل اللقاءات التي حصلت مع معارضين عراقيين، إلى وجود فكرة لحل الجيش.

ولم يكن بريمر قادرا على اتخاذ القرار الذي حُسب عليه، لولا وجود دراسات وقرار أعلى، لكنه كان متحمسا للفكرة، تأسيسا على مبالغته المفرطة في النظرة السلبية تجاه كل الضباط الأقدمين، والتعامل معهم كأعداء، خلافا لموقف الجيش والـCIA، منطلقا من معلومات خاطئة وتصورات سطحية، عن أن الوقت متاح لتشكيل جيش على مراحل طويلة، ففوجئ بقوة النشاطات المسلحة وسرعة انتشارها.

وبما أن الأميركيين كانوا عازمين على بقاء طويل الأمد، ولمّا لم تكن لهم علاقات مهمة بقادة الجيش، وبسبب الشك في ولائهم للنظام الجديد، اعتبروا وجود جيش كبير مجهز بأسلحة ثقيلة، مخاطرة كبيرة على أمن قواتهم. وما يعزز هذا التفسير حرصهم على أن تكون تجهيزات الجيش الجديد خفيفة التسليح، بما لا يعرّض أمن قوة الضربة المدرعة للتهديد.

لم يبالغ بريمر في وصف القادة العسكريين بتوصيفات غير منصفة فحسب، بل ضرب على الأوتار الطائفية والعرقية، وعمل على تجسيدها، بصرف النظر عن النية الأساسية، وحمّل العرب السنة مسؤولية لا علاقة لهم بها.

إذن، كان القرار أميركيا. أما ما قاله بريمر عن تهديد الكرد بالانفصال إذا أبقى على الجيش، فينطبق عليه المثل القائل: «عذر أقبح من الذنب». فهل كان الوضع الكردي قويا إلى حد التهديد؟! ولماذا لم يقدموا على الانفصال بعد أن تعززت قدرتهم المالية والقتالية أضعافا، والخلافات مع الحكومة مستمرة، والدولة حلم تاريخي ثابت لهم؟

لكن التساؤلات لا تنفي خدمة حل الجيش للتوجهات الكردية، لمعطيات واضحة تتعلق بتوازن القوى المحلية، وهو في النتيجة موضع ارتياح. فالدولة القوية مرفوضة كرديا إذا تقاطعت سلبا مع تطلعاتهم المرحلية.

ولم يكن القرار موضع ارتياح الكرد وحدهم، فالأحزاب الحاكمة رأت في الجيش تهديدا جدّيا لسلطتها وتطلعاتها وأهدافها البعيدة الأمد، وربما كان الأميركيون الخاسر الثاني بقرار الحل، فلو كان الجيش موجودا لتمكن من الحيلولة دون تدهور الوضع الأمني.

صحيح أن الجيش العراقي قد تفكك نتيجة الحرب والفرهود الذي أعقبها، إلا أن دعوة أميركية إلى أفراد التشكيلات والوحدات والقادة للالتحاق، كانت ستلقى استجابة مهمة، وليست شاملة، تساعد على إعادة تشكيل العديد من التشكيلات والوحدات خلال أسابيع قليلة. ولو حصل ذلك، وأحيل غير الراغبين في العودة إلى التقاعد، لغاب الجانب العدائي والانتقامي للقرار.

لم أقرأ عن قادة وضباط وأفراد متمسكين بهويتهم العسكرية كما هي حال منتسبي الجيش العراقي، وهي صفة مُشرقة تدل على عراقة مؤسستهم، التي لم تكن ملكا لرئيس بعينه. وكان المفترض شكر الجيش على صونه وحدة البلد والمحافظة على حدوده، بصرف النظر عن الحروب وأسبابها، لأن الجيش لم يتخذ قرارا بشن حرب، بل زُجّ فيها، ولم تكن هناك صلاحيات دستورية وقانونية أو سياقات عمل تساعد القادة على نقض القرارات السياسية وتحديها. وبدل التكريم المعنوي، لم تنتقص قيمة جيش في العالم، من بعض أبناء بلده، كما حصل للجيش العراقي، وأصبح الضابط طريدا ومطلوبا، إلا مَن خدمته ظروف أو معطيات خاصة.

والبعثيون حالهم حال العسكريين، أخضعتهم قرارات بريمر لقانون الاجتثاث، الذي كان ممكنا اختزاله بسطر واحد، يتضمن حل حزب البعث ومنعه من العمل السياسي، فتتاح الفرصة للبعثيين وأسرهم للانصهار في الحياة السياسية وغيرها كأفراد.

لقد عملت ما في وسعي، وبدعم من الرئيس، إلى درجة أغاضت بعض الأطراف، لينال الضباط حقوقهم، ومع ما تحقق في حينه، وما تبع من قرارات إيجابية تحتاج إلى خطوات مكملة، ما زلت أشعر بثقل ما وقع عليهم من حيف. والكل مسؤولون عن ذلك، بما فيهم كتل سياسية سنّية، لم تتخذ مواقف مناصرة جدية لهم.

ولينظر العراقيون إلى اهتمام الأمم بجيوشها، وآخرها استنجاد إسلام آباد بعسكرها، وما لدى القادة العسكريين العراقيين من طاقات علمية لا حصر له، وسيأتي يوم قريب تُلمس فيه الحاجة إليهم، في منطقة ابتُليت بثقافات التآمر والقراءات الخاطئة للتاريخ.

[email protected]