باكستان تتفادى رصاصة سياسية

TT

منذ شهر مضى كانت باكستان على وشك الانهيار الاقتصادي الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى حدوث انقلاب عسكري. وتوضح كيفية تطور الأزمة، وكيفية نزع فتيلها في النهاية، قصة كبيرة لدولة وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما منطقتها الحدودية بأنها «أخطر مكان في العالم».

وخرجت تفاصيل المواجهة السياسية التي وقعت في شهر مارس (آذار) أخيرا في أثناء زيارة قام بها السفير ريتشارد بروك والأدميرال مايك مولين إلى إسلام أباد. وكما يصفها مسؤولون أميركيون وباكستانيون، أنها قصة حافة الهاوية السياسية، وانتهت إلى تسوية توسطت فيها إدارة أوباما.

وكانت الديمقراطية الباكستانية معرضة للخطر، فقد حاول حلفاء الرئيس آصف علي زرداري شل حركة منافسه السياسي، رئيس الوزراء السابق نواز شريف. وخرج زعيم المعارضة إلى الشوارع في رد فعل على ذلك، منضما إلى «مسيرة كبيرة» إلى إسلام أباد للمطالبة بإعادة رئيس القضاة الباكستاني المقال إفتخار تشودري إلى منصبه. وهددت المسيرة بوقوع معركة عنيفة في الشوارع كانت من الممكن أن تجبر رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال إشفاق كياني على التدخل.

وأظهرت المواجهة هشاشة السياسة الباكستانية. ولكنها أيضا أوضحت أنه بعد الوقوع في بعض الأخطاء الأولية، استطاع اللاعبون الثلاثة الأساسيون، زرداري وشريف وكياني، نزع فتيل الأزمة. وكان الدرس المستفاد لمراقبي باكستان القلقين هو أنه أيا كانت درجة الضعف التي قد تكون وصلت إليها النخبة في الدولة، فإنها ليست انتحارية.

ويقول شوجا نواز، مؤلف «السيوف المتقاطعة»، وهي دراسة عن الجيش الباكستاني: «أعتقد أن السياسيين الباكستانيين أصبحوا ناضجين. إنهم يدركون أنه يجب عليك أن تلبي احتياجات الشعب وإلا سيطاح بك».

وبالنسبة إلى إدارة أوباما، مثلت الأزمة الباكستانية أول اختبار دبلوماسي. وقد ساعدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومعها هولبروك ومولين، على إبعاد المسؤولين الباكستانيين عن الحافة. وكان هذا التدخل رشيقا، ولكنه عمّق من التدخل الأميركي في السياسة الباكستانية، وهي العملية التي تسبب حركة ارتجاعية خطيرة مناهضة لأميركا.

وبدأت الأزمة في نهاية شهر فبراير (شباط) عندما أصدرت المحكمة العليا بدعم من زرداري حكما بعدم إمكانية تولي شريف أو شقيقه شاهباز أي مناصب. واستولى حاكم بنغاب، الموالي أيضا لزرداري، على هذا الإقليم القوي، في خطوة رآها المحللون الباكستانيون محاولة انقلاب من الرئيس على خصمه الأساس.

وبدأت حركة المحامين مسيرتها في 12 مارس (آذار)، متعهدة باحتلال إسلام أباد حتى تعيد الحكومة تشودري إلى منصبه. وأرسل زرداري قوة من الشرطة شبه عسكرية إلى شوارع لاهور، في ما يبدو أملا في تخويف شريف والمشاركين في المسيرة. ولكن تهرب شريف من الشرطة وانضم إلى المتظاهرين في أثناء توجههم شمالا صوب إسلام أباد.

ثم واجه كياني لحظة اتخاذ قرار حاسم. ووفقا لمصادر أميركية وباكستانية، طلب زرداري رئيس أركان الجيش وقف المسيرة وحماية إسلام أباد. ورفض كياني، بعد مناقشة الأزمة مع صديقه مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة. وفي الوقت ذاته، اتصل كياني بشريف وطلب منه العودة إلى المنزل في لاهور، وفقا لأحد المصادر. واتصل بزعيم حركة المحامين، اعتزاز إحسان وطلب من التوقف في مدينة غوجرانوالا وانتظار إعلان الحكومة.

واستمرت الضغوط على زرداري أيضا داخل حزبه الشعب الباكستاني. ووفقا لما صرح به مسؤول أميركي، قال رئيس الوزراء يوسف رضا غيلاني للرئيس ليلة 15 مارس (آذار) أنه سيستقيل إذا لم يُعَدْ تشودري إلى منصبه (ويقول معسكر زرداري إنها كانت مجرد شائعة بالاستقالة). وعلى أية حال، ظهر غيلاني على شاشة التليفزيون في الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي ليعلن عن عودة رئيس القضاة السابق إلى منصبه. وانتهت الأزمة.

وجاءت الضغوط من أجل الوصول إلى تسوية من كلينتون وهولبروك، في اتصالات هاتفية إلى زرداري وشريف. ووفقا لمصادر باكستانية، أشار مسؤولون أميركيون إلى شريف أنهم لن يعارضوا أن يكون رئيسا أو رئيسا للوزراء يوما ما. وكان أحد الوسطاء المهمين أيضا هو ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني، الذي حث على إقامة حوار مع شريف.

وفي زيارة قام بها أخيرا هولبروك ومولين، تمت تقوية الصفقة. ورأوا اللاعبين الأساسيين، وعادوا راجين أن يشكل الثلاثة جبهة متحدة ضد قوات طالبان في المناطق الحدودية الغربية، بدلا من الاستمرار في مشاحناتهم السياسية. وأثنى سفير باكستان لدى واشنطن حسين حقاني على مساعي هولبروك الدبلوماسية، حيث قال: «إنه يجلب الأمل بأن المشكلات المعقدة سيتم حلها».

أما عن النتيجة السياسية، فقد خرج زرداري خاسرا بينما خرج كل من شريف وغيلاني منتصرين. ولكن كان عنصر الحسم هو كياني، الذي خطط لنزع فتيل الأزمة دون إنزال الجيش إلى الشوارع.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»