إنني لا آكل النساء

TT

من طقوس الكتابة عندي أنني إذا أردت أن أكتب فلا بد أن أكون وحدي لا أقبل أن يشاركني في مكاني لا إنس ولا جان، لهذا كثيرا ما أغلق مكتبي على نفسي زيادة في الاطمئنان والحيطة.

وبالأمس أردت أن أكتب مقالي الاعتيادي في غرفتي التي أستأجرها في أحد الفنادق، وجلست أمام المكتب الصغير (مسمّيا بالله)، وما أن بطحت الورقة البيضاء على بطنها وأمسكت بالمرسمة وهممت بالكتابة، وإذا بي أشاهد (طخّتي) ـ أي وجهي بالمرآة العريضة المعلقة أمامي على الجدار ـ وكلما حاولت أن أتحاشاها تزوغ عيني فتطالع وجهي الذي من شدة انزعاجي كرهته.

حاولت أن أكتب مستلقيا على السرير ولكنني لم أستطع لأنني غير متعود على ذلك، فرجعت مرة ثانية للمكتب وقررت أن أكتب وأنا مغمض العينين، ولكنني أيضا لم أستطع، (فعقلي الباطن) يقول لي ويؤكد أن هناك شخصا ثانيا في الغرفة يراقبك ويترصدك، فأصبحت بالفعل عدوا لنفسي.

تركت المرسمة جانبا وأخذت أتفرس بملامح وجهي، وهالني ما رأيته من اضطراب ونشاز ونقاط ضعف ابتداء من الجبهة وانتهاء بالذقن مرورا بالمنخار المدلدل والمعوج ـ يعني باختصار: وجه (يقطع الرزق)، واكتشفت أن الإنسان إذا نظر في وجه يكرهه سرعان ما تتبدى له العيوب، بل قد يفتعلها كنوع من التشفي.

وإذا كان راضيا ومحبا لوجه إنسان فيبدو في عينه وكأنه (يوسف الحسن)، رغم أنه في الواقع قد يكون (قميئا)، لا يشتريه الواحد ولا حتى (بفرنكين).

لم أطق صبرا على معاناتي من مراقبة وجهي لي ومراقبتي له، وكلما رفعت نظري للمرآة قلت لا شعوريا: أعوذ بالله، فنهضت للمرة الثانية من على كرسييّ وذهبت للحمام وأتيت بمنشفة كبيرة وغطيت بها المرآة التي أمامي، وبعدها تنفست الصعداء، وها أنذا أكتب لكم هذه الكلمات، ولكن ورغم ذلك لا يزال لدي إحساس أن هناك من هو قابع خلف المنشفة، ولا أدري متى سوف يزيحها لكي يطل ويقطع علي وحدتي وانسجامي.

عندها لم أملك إلا أن أنهض للمرة الثالثة والأخيرة قائلا: عنها ما كانت الكتابة، وأخذت أصب جام غضبي على كل الطفيليين، وأولهم أنا.

ونزلت إلى صالة الفندق أراقب الناس لكي (أموت همّا)، ويا ليتني مت قبل أن أقابل رجلا (سئيلا) لا ينزل لي من زور، وكثيرا ما تحاشيت الجلوس معه في المناسبات، لأن هوايته التي لا تنقطع هي سؤالاته المحرجة لي التي لا أستطيع الإجابة عليها نظرا لمحدودية خيالي، وأول ما شاهدني حتى أخذني بالأحضان وهو يسحبني من يدي ويجلسني على الكنبة بجانبه وهو يقول: الله جابك، ثم وبدون مقدمات سألني: دس رجل وامرأة أيديهما في صندوق (للشيكولاته) فأكل أحدهما قطعته كلها على الفور، بينما قضم الآخر قطعة بأسنانه ليرى ما بداخلها، فمن الذي فعل ذلك؟!

(تلكلكت) ثم مططت براطمي علامة أنني لا أعرف.

فقال بدون أية مجاملة: أما غبي، إن المرأة يا لوح هي التي قضمت، لأن النساء حذرات ويدققن بالتفاصيل، فقلت له الحمد لله أنني أقل عباد الله في أكل الشوكالاته، وأكل النساء كذلك، وقمت من مكاني ملوحا له بيدي قائلا: باي باي.

[email protected]