سبب للاحتفال وأسباب للخوف

TT

ذهبت الهند إلى الانتخابات، وجددت لحزب المؤتمر. ولما لم يكن حاضرا من الحزب، جواهر لال نهرو، أو ابنته أنديرا غاندي، أو حفيده راجيف، فقد تمثلت العائلة المؤسسة بأرملة الأخير، السنيورة سونيا، الإيطالية التي صارت المرأة الأولى في بلد المليار! وفي الظاهر ثمة ما يدعو للاحتفال، عدا سونيا وأولادها الذين يستعدون لوراثة الجد الجمهوري الأول. ثمة دولة تتحول إلى أمة أولى بين الأمم. تجاور الصين وتسابقها في طرق كثيرة. تطلب العلم وتتجلى في بلوغه. تخرج بعشرات الملايين من حياة الريف والأوبئة، ولكن ثلاثة أرباع بيوت نيودلهي لا تزال دون بيوت خلاء.

رائحة العفونة تدمر الأنوف. ولكن الهند تدمر دولة عملاقة وخائفة. كل من حولها دول مهددة بالغرق، في الطالبان أو في الطوفان. باكستان وبنغلادش وسري لانكا. دول ولدت من رحمها، وترفض أن تبلغ سن الرشد والتعقل. وباراك أوباما يدعي الخوف على كابل وإسلام آباد، لكن رعبه الحقيقي على دلهي. وإلى دلهي قام مدير «السي.آي.إيه» الجديد ليون بانيتا، بأول زيارة خارجية له. وعلى دلهي توافد مدير الـ«إف.بي.آي» روبرت موللر، ورئيس الأركان المشتركة مايك موللن، وطبعا الموفد إلى المنطقة ريتشارد هولبروك.

الأميركيون يعربون عن قلقهم، والهند تعرب عن مخاوفها: هل تدير الـ«سي.آي.إيه» وجهها عن مقار الملا عمر، أم لا؟ إلى أي مدى يساير الأميركيون غلب الدين حكمتيار، من أجل محاربة جلال الدين حقاني، وإلى أي مدى يشكل ذلك خطرا على حدود الهند؟ وهل باكستان القديمة، باكستان الدولة، هي خصم الهند الآن، أم باكستان المخترقة، التي فقدت سلطتها في بلاد البشتون والبلوش؟

في الداخل الهندي تطور تُغبط دلهي عليه، وفي دائرة الجوار وضع خطر ومعقد. ولا شيء سوى الخصوم. إذ يجب ألا ننسى أبدا العداء الكامن بين الصين والهند، الذي انفجر على شكل حرب حدودية ذات يوم. تضاف إلى ذلك الآن المنافسة التجارية والصناعية بين الفيل الهندي والتنين الصيني. والمثلث الصيني الهندي الباكستاني يضم مئات ملايين البشر، لكنه يملك أيضا السلاح لإبادتهم بسرعة وقسوة، إذا ما جرب أحدهم العض على ذراع الآخر بأسنان من اليورانيوم المركز.

هذا هو بلقان القرن الحادي والعشرين، ونجمته كشمير. وتبدو كشمير الآن خارج الصورة، بسبب حروب باكستان الداخلية، لكنها في الواقع حاضرة هناك بكل مقوماتها وعناصرها ودوافعها. وربما لو تخلت عنها الهند في البداية، لكان وضعها الآن أقل تفجرا. لكن حتى المفكرين يخطئون أحيانا. وربما لم يكن هناك وقت كاف للتفكير بهدوء، فيما أخذت القارة تتشقق في أنهر من الدماء. والله يحميها ويحمي العالم معها من تفجر أنهر الرماد النووي.