الساكتون عن الحق..

TT

قبل سنتين تقريباً قرّرت منظمة الامم المتحدة عقد مؤتمر خاص حول العنصرية، ومن المتوقع افتتاح فعاليات هذا المؤتمر في مدينة دوربان بجنوب افريقيا خلال اسبوعين. غير ان المباحثات الجارية لإعداد جدول اعمال المؤتمر انهارت لدى بلوغ موضوعين طريقاً مسدوداً: الاول يتعلق بمطالبة الدول الاسلامية بأن تشمل المناقشات الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، والثاني يتصل بمطالبة الدول الافريقية القوى الغربية المستعمِرة (بكسر الميم) سابقاً، بالاعتذار لها عما تعرّضت له من مآسي الرّق والعبودية ابان عهود الاستعمار ومن ثم مطالبتها بتعويضات عنها. وقد بادرت كل من اسرائيل والولايات المتحدة الى التحذير من انهما ستقاطعان المؤتمر اذا اثير موضوع الصهيونية. وعارضت عدة دول اوروبية ضم قضية الرّق الى جدول الاعمال.

والاشكال الذي يواجهه المؤتمر انه مثل سائر ملتقيات الامم المتحدة الاخرى سيغرق في الكلام الدبلوماسي المطاط خشية ازعاج هذا الفريق او ذاك. وبالنتيجة يؤدي السعي الى شبه اجماع على قواسم مشتركة باهتة لا طعم لها ولا لون. والخلاف الراهن حيال مؤتمر دوربان يمسّ الصيغة التي ينبغي ان يخرج بها البيان الختامي، ولكن لماذا البيان الختامي؟ أليس من الافضل ترك المجتمعين يتداولون ويتناقشون بحرية حول قضايا يتوجب الخوض فيها بصراحة؟

فأين المشكلة اذا جاء الفلسطينيون الى دوربان ليخبروا العالم بحقيقة حرمان اسرائيل اياهم ابسط الحقوق الانسانية، ألا وهو حق تقرير المصير؟ واين الخطأ في ان يسمع العالم ان اسرائيل تسترهن شعباً بكامله في الاراضي المحتلة باسم ايديولوجية مريضة هي الصهيونية. وبطبيعة الحال امام اسرائيل وحلفائها وقت كاف لعرض وجهات نظرهم، تاركين الحكم للرأي العام العالمي.

أما بخصوص موضوع العبودية والرق، فلا يوجد سبب منطقي لمواصلة تبني ازدواجية المعايير، اذ سبق لمعظم الدول الاوروبية ان اعتذرت عن ادوارها في معاملة المانيا النازية لليهود ووافقت على دفع تعويضات لهم بمليارات الدولارات. أو ليست مأساة الرّق موازية لما تعرض له اليهود على ايدي النازيين؟ فلمن يهمه الأمر، فإن ما لا يقل عن 20 مليون افريقي قضوا لدى نقلهم في سفن النخّاسين، وفصل نحو 40 مليون آخرين عن عائلاتهم عند بيعهم في سوق النخاسة.

وعليه، يستحسن ان يتخلى كوفي انان الامين العام للامم المتحدة وماري روبنسون مفوضة شؤون حقوق الانسان عن الرياء الدبلوماسي وإتاحة الفرصة لنقاش جاد حول قضايا الانسانية في الماضي الحاضر... فالساكت عن الحق شيطان اخرس.