يا مساء المحرَّق

TT

قبل أربعين عاماً ذهبت إلى المحرق لحضور مسرحية أقيمت في إحدى مدارس المحلة. دخلنا الأزقة الصغيرة والطرقات الضيقة وشاهدنا بسطاء البلد. وأمس عدت إلى المحرق محاضراً في دارة عبد الله بن زايد، مؤسس أول صحيفة في البحرين. ولا يزال بسطاء البحرين يرحبون بالقادمين من بعيد ويخرجون لملاقاة الناس، ولكن بعض المحرق يتحول على يد مي آل خليفة إلى متحف جميل في إطار من العتق والتاريخ. كل بيت له تاريخ تعمل مي آل خليفة على تجديده وتجميله وتحويله إلى تحفة تزار. وبدل أن تغيب بيوت الرواد تحت غبار السنين تصنع منه الهندسة الحديثة أثراً رائعاً. وفي هذا الإطار الحجري الأثري البديع تقيم مي آل خليفة مواسم المحاضرات والأمسيات الشعرية واللقاءات الفكرية التي صدف لي شرف ختامها هذا العام.

وإذ تطلعت في وجوه الحاضرين وتأملت السقوف العالية والنوافذ المغلقة لصد الرطوبة الطافحة، تذكرت أصدقاء أحباء وأياماً طيبة. وتذكرت ما كتبه يوسف الشيراوي ومحمد جابر الأنصاري وقاسم حداد عن زمن الطفولة في المحرق.

وخرجت عن النص الذي أحمل وسايرت الحضور بالقول: كنت أتمنى لو طلب إليّ أن أحدثكم عن البحرين بدل أن أحدثكم عن الصحافة. فقد مللت الحديث في مهنتي، لكن الحديث عن البحرين لا يمل ولا يمل. قسم في العراقة وقسم في التقدم. عبق القديم وفوح الجديد.

عرفتها منذ أكثر من أربعة عقود. يوم الصقور تحرس القصر وما من خوف على وداعة القصر. ويوم إبراهيم كانو هو الفضائية الأولى، ليس بسبب طول قامته، رحمه الله، بل بسبب ابتسامته التي كانت تشبه البحرين ومياه عذاري.

وهذه هي صورة البحرين. مياه عذاري. المياه العذبة في قلب البحر. اللؤلؤ والصدف المقدس من بين فك الحوت. نفط قليل وجهد وافر. ثروات شحيحة وصبر عظيم. حاكم واسع الصدر وشعب عميق الولاء.

تحية إلى أحبائي جميعاً. وتحية إلى الطيبين الذين فقدتهم ولا يفارقون في قلبي حيز المحبة. تحية إلى الشيخ عيسى بن سلمان وإلى يوسف الشيراوي وإلى طارق المؤيد وإلى إبراهيم كانو. وأطال الله في أعماركم جميعاً.