وكان العشاء الأخير

TT

على المائدة الفرنسية أنا أكثر الناس عذابا وتعاسة.. فلهم طقوس.. يقدمون الطعام على فترات متباعدة، ويملأون نصف الكوب ماء. ولما سألت «لماذا نصف الكوب؟»، قال «لكي أخدمك مرتين.. بدلا من مرة واحدة..»، ثم ماذا قبل الطعام، وما الطبق الرئيسي.. وماذا بعد ذلك..؟.

ثم انظر إلى الأكواب التي أمامك.. هذا للماء، وهذا مش عارف إيه.. وكل هذه الأكواب قد اصطفت في انتظار إشارة منك، فإذا أشرت؛ ظهرت ألوانها وأحجامها.. هذه الكأس تمسكها بإصبعين.. وهذه بكفك كلها تحتضنها.. وهذه بيدك.. وبعد ذلك تجيء القهوة أو الفاكهة، وما لا عدد له من الجبن.. ومن الممكن أن تقضي ساعة وزيادة في هذه الوجبة..

وأنا أريد طبقا واحدا، وكوبا واحدا.. وأفرغ من ذلك. وبس.

والمطبخ الفرنسي أشهر المطابخ الأوروبية وأجملها، وأكثرها تنوعا أيضا. والمطبخ المصري خليط من الفرنسي والتركي، وهو مثل كل المطابخ الشرقية يعتمد على الحجم، فكلما كان الضيف هاما؛ كان الطعام أكواما من اللحم والأرز والفاكهة والحلويات..

ومن الأحداث التي تروى أن الرئيس الفرنسي ميتران كان يحب أكل عصفور الارطولان. وهو طائر مغرد صغير، وممنوع صيده قانونا، ولكنه من حين إلى حين يذهب إلى إحدى مدن الشمال في فرنسا، ويرى الناس طائرته فيقولون «جاء الرئيس». ويكون معه ضيوفه، ويأكلون الارطولان، ذلك العصفور البني اللون.. وله طريقة خاصة في الطبخ. ويجب أن تأكله مرة واحدة، أي تضع في فمك العصفور كاملا. ولا يكفي أي إنسان أن يأكل عشرة. وإذا جاء أمامك طبق الارطولان، يجب أن تغطي رأسك بفوطة، لكي تستمتع برائحته، فلا تبدد في الهواء.. أما ثمن الطائر الممنوع صيده، فهو مائة ومائتان من الجنيهات..

وفي سنة 1998، بعد أن أكل الرئيس وضيوفه، وقد اشتد عليه المرض، التفت إليهم قائلا «هذا هو العشاء الأخير!».

ومات بعدها بأسبوع!.