تسريع أميركي لإقامة دولة فلسطينية والانسحاب من الجولان

TT

حتى الابتسامات المتبادلة بينهما كانت مدروسة ومهذبة، لتظهر أن اللقاء كان إيجابياً، لكن ظل واضحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما لا يلتقيان على الموجة نفسها عندما يتعلق الموضوع بالسلام في الشرق الأوسط.

نتانياهو تجنب أن يكرر ما حدث في لقائه الأول بالرئيس السابق بيل كلينتون، حيث ترك لدى الديموقراطيين انطباعاً سيئاً عنه حتى الآن. ثم انه دخل البيت الأبيض وفيه لأول مرة رئيس مطلع مسبقاً، أو بالأحرى يعرف الكثير عن معاناة الشعوب وعن العدالة والظلم، وعن الاحتلال والتحرر وعن القضية الفلسطينية. الاثنان تجنبا المواجهة المباشرة، لا بل أقر أوباما بصرامة المشكلة التي ستسببها لاحقاً قنبلة نووية إيرانية على استقرار المنطقة، وعلى السلام العالمي، وعلى أوروبا وأميركا.

كان نتانياهو يريد التزاماً من أوباما بتحديد فترة زمنية للمحادثات مع إيران. لكن أوباما الذي كان يردد دائماً انه لن يكون هناك من موعد محدد، أرضى نتانياهو بقوله: إن الإدارة الأميركية مع نهاية العام ستقيّم تطور المفاوضات مع إيران. وإذا لم يكن هناك من تقدم، ستقنع واشنطن العالم بضرورة تشديد العقوبات.

لمس نتانياهو إيجابية بهذا الموقف، لكن على الجبهة الفلسطينية ظل الاثنان بعيدين مبدئياً في التوجه، أوباما أصر على موقفه في الحديث عن حل قائم على دولتين، ولم يتراجع نتانياهو عن رؤيته لحكم ذاتي فلسطيني، هذا لم يؤثر على أوباما الذي كان واضحاً وحاسماً، بضرورة وقف بناء المستوطنات، حيث قال أيضا، إنه واثق من انه في الأسابيع والأشهر المقبلة «سنحقق تقدماً نحو الهدف»، أي دولة فلسطينية مستقلة.

رغم أن نتانياهو لا يؤيد مبدأ الدولتين، إلا انه يدعم التوجه الذي وضعته «خريطة الطريق» الذي يقود في النهاية إلى حل الدولتين.

في اتصال مع مصدر أميركي مطلع، أكد لي أن الإدارة الأميركية وضعت مسودة لاستراتيجية أميركية جديدة تهدف إلى التسريع بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وانسحاب إسرائيلي من مرتفعات الجولان. وتتضمن الخطة وضع مواعيد محددة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية -الفلسطينية، والإسرائيلية - السورية، وتتضمن أيضا توفير مساعدات أميركية ودولية لقطاع غزة الذي تديره «حماس».

تقوم الخطة على مفهوم منطقي مفاده أنه من دون تحديد مواعيد صارمة، وفرض ضغوط مضاعفة «فإن شيئاً لن يتحقق (...) انظري ما فعلت الإدارات الأميركية السابقة». ثم إن قاعدة الخطة هي «خريطة الطريق»، الخطة الأميركية لإقامة دولة فلسطينية، والتي أطلقها الرئيس السابق جورج دبليو بوش عام 2002، على أساس أن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة عام 2005.

الرئيس أوباما ناقش هذه الخطة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وسوف يناقشها مع الرئيسين المصري والفلسطيني، وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لمح إليها في المقابلة التي أعطاها لصحيفة «التايمز» البريطانية. وينوي البيت الأبيض الكشف عن هذه الخطة في شهر تموز (يوليو) المقبل.

نسقت الولايات المتحدة استراتيجيتها هذه مع المجموعة الأوروبية، وروسيا والأمم المتحدة التي تشكل «المجموعة الرباعية»، وقد تعهد الزعماء الأوروبيون بالتعاون عبر الضغط على إسرائيل وعلى الفلسطينيين كي يتجاوبا.

وكان البيت الأبيض سرب يوم 16 أيار (مايو) الجاري أن الرئيس أوباما سيركز في لقائه مع نتانياهو على إقامة دولة فلسطينية وسيطلب الوقف الفوري لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. كما أكد أحد المسؤولين أن البيت الأبيض أطلع زعماء عربا بينهم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز على الاستراتيجية الأميركية الجديدة.

من جهته، وفي الخامس من هذا الشهر أمام الكونغرس الأميركي قال رئيس «الرباعية»، طوني بلير: «هناك إطار عمل شارك في وضعه كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية والمجموعة الدولية، واعتقد بأنه خلال خمسة أو ستة أسابيع ستعرفون بشكل أوضح تفاصيل هذه الخطة».

المصدر الأميركي أكد تصور بلير، وأضاف أن أوباما أرسل موفدين من قبله إلى عدة دول منها مصر، والأردن، والسعودية وسوريا.

لوحظ انه بعد لقاء أوباما- نتانياهو، صرح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، بأن أميركا تتآمر على إيران.

تصر إيران وعن قصد على تكثيف التصريحات خصوصاً من قبل رئيسها محمود أحمدي نجاد، المتوقع إعادة انتخابه، بأنها تريد إزالة إسرائيل، ذلك كي تشعر إسرائيل بأن الخطر الذي يهدد وجودها هو إيران وطموحاتها وبرنامجها النووي، وليس عدم حل القضية الفلسطينية. ويبدو أن إسرائيل وقعت في الفخ الإيراني، خصوصاً مع نتانياهو الذي يناور رافضاً التعاون لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية. هذا الموقف السلبي يناسب إيران جداً لتظل تدعي أنها الطارئة الجديدة على الساحة الفلسطينية، الحاملة لواء التحرير. ورغم أنه من حق إسرائيل أن تبحث عن طرق لمواجهة الخطر الإيراني، إلا أن التقدم على جبهة السلام مع الفلسطينيين يوفر لها سلاحاً، لا يتطلب حروباً وجبهات وقتالاً، إنما يضرب قلب التطرف في طهران، ويجرد إيران والأطراف والتنظيمات التي تدعمها في الادعاء بأن السلاح هو لمحاربة إسرائيل من أجل استرداد الحق الفلسطيني.

ثم إن قبول إسرائيل بالسلام الحقيقي لا يلغي فقط النداءات الإيرانية بأن إسرائيل غير مهتمة بالسلام، بل ينقذ إسرائيل من قنبلة ديموغرافية تكبر داخلها. وليس مفهوماً طلب نتانياهو أن يعترف الفلسطينيون والعرب بيهودية دولة إسرائيل، إذا كانت تصر على احتلالها الضفة الغربية، حيث يعيش 2,4 مليون فلسطيني وتصر على تطويق قطاع غزة الذي يعيش داخله مليون ونصف المليون فلسطيني. وحتى لو نجحت إسرائيل في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، فإن كل قوتها العسكرية لن تستطيع تغيير واقع لا بد آت، وهو أنه مع السنين سيصبح عدد الفلسطينيين أكثر من عدد الإسرائيليين، وكما قال أحدهم: على المدى الطويل، فإن الديموغرافية تصبح قدراً.

لا بد أن مذاق واشنطن كان مختلفاً هذه المرة وقد يكون نتانياهو بدأ يشعر بمرارة ذاك المذاق قبل أن تحط طائرته، ولم تخف المرارة بعد اللقاء مع رئيس لم يمض عليه في البيت الأبيض أكثر من 120 يوماً تقريباً، وبدأ تأثير إدارته يترك بصمات على التعاون الاستراتيجي بين أميركا وإسرائيل. ويعترف المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون بأن هذا التعاون تقلص بشكل ملحوظ مذ تسلم أوباما في كانون الثاني (يناير)، فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر لم تُعقد أي لقاءات على مستوى استراتيجي عال بين الدولتين، كما أن المحادثات الأسبوعية غير الرسمية التي تناقش خلالها الدولتان قضايا مثل إيران، والعراق وخطر القاعدة، في الشرق الأوسط، توقفت تماماً. وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين: «في ظل الرئيس بوش كانت تربطنا علاقات استراتيجية حميمة وحارة، الآن عدنا إلى مجرد دولة من الدول الصديقة لأميركا».

في الأسبوعين الأخيرين، يؤكد المصدر الأميركي انه لا البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية تشاورا مع إسرائيل حول قضايا تهم مباشرة الدولة اليهودية، منها المفاوضات الأميركية السورية، ودعوة مساعدة وزير الخارجية الأميركية روز غوتمولر إسرائيل للتوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. في حين انه في عهد الرئيس السابق بوش، كان هناك ما يشبه التوافق بأن أيا من الدولتين لا تفاجئ الأخرى. وفي عهد الرئيس السابق كان المسؤولون الإسرائيليون على اتصالات مباشرة مع كبار مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية بمن فيهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ونائبه اليوت ابرامز. وكان بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت يتحدثان هاتفياً باستمرار حول قضايا الشرق الأوسط. لكن الأوضاع تغيرت مع أوباما، إلى درجة أن كبير مستشاري نتانياهو، اوزي اراد حاول إجراء ترتيب للاتصال مباشرة بمستشار الأمن القومي جيم جونس ، لكن كان يأتيه الجواب دائما أن جونس غير موجود. ولم يلتق الرجلان إلا في 12 من الشهر الجاري لترتيب لقاء نتانياهو وأوباما.

أيضا خفضت الإدارة الأميركية بشكل كبير التنسيق مع إسرائيل حول إيران، ويؤكد لي المصدر الأميركي، أن دنيس روس أُمر بعدم زيارة إسرائيل خلال جولته نهاية الشهر الماضي إلى دول الخليج، وحاولت حكومة نتانياهو الحصول على معلومات عن نتائج تلك الجولة.

الآن، صار بحكم المؤكد أن الفلسطينيين يحتاجون إلى زعامة أكثر مصداقية وأكثر براغماتية، وربما حسبت إدارة أوباما أن الفلسطينيين منقسمون ومتفرقون ولن تطلب منهم الكثير، بل ستطلب من الدول العربية التجاوب، عبر تحقيق بعض ما جاء من اقتراحات في المبادرة العربية لمساعدة الإدارة على دفع إسرائيل لوقف بناء المستوطنات وتجميدها.

أميركا أوباما تريد رؤية مرونة في المواقف العربية، فهي اعتمدت الحسم الإيجابي، وإذا كان العرب يستشعرون الخطر الإيراني فليبدأوا المساهمة في توفير الحوافز لإسرائيل من أجل الوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينية.