يجب العمل بلا تأخير

TT

مرة اخرى حصدت العملية الارهابية البالغة القسوة ارواح اشخاص أبرياء في اسرائيل. ومرة اخرى يجري القصف الهمجي بالصواريخ للأراضي الفلسطينية. ومرة اخرى تدور الاحاديث عن احتمال وقوع اجتياح اسرائيلي واسع النطاق للضفة الغربية بين ليلة وضحاها. وصارت تتردد الاقوال حتى عن حتمية وقوع حرب كبرى تشارك فيها الدول العربية.. على اي حال يتحدث البعض عن ضرورة تجنب مثل هذه الحرب، وهذا بحد ذاته امر له دلالته. ولربما لم تشهد منطقة الشرق الاوسط مثل هذا التوتر الخطير للغاية في الفترة الاخيرة منذ اندلاع الانتفاضة.

الى اي مدى ستتصاعد الاحداث الدامية، التي ستقود في نهاية المطاف الى حدوث انفجار شامل؟ لا يجوز ان يعطى حق الكلمة الى الذين يعلنون في الجانب الاسرائيلي استحالة قيام الدولة الفلسطينية. ولا يجوز ان يعطى حق الكلمة في الجانب العربي الى الذين يعودون مجدداً الى الشعار القديم حول تصفية دولة اسرائيل. واذا ما تغلبت اتجاهات التفكير هذه في اوساط الرأي العام على كلا جانبي المتاريس، فسينتظر العالم حلول ايام مأساوية حقاً.

ومع ذلك يظهر جلياً للعيان الفرق بين الجانبين بالنسبة الى المراقب الموضوعي. فان عرفات لا يدعو للقضاء على اسرائيل. اما شارون فقد اعتمد بصورة سافرة نهج الشطب على كل ما تم الاتفاق عليه سابقاً بشأن قيام الدولة الفلسطينية. ولئن وجد هناك ما يلام عليه عرفات فهو كونه لا يسيطر على الوضع، اما موقف شارون فهو يصب الزيت على نار النزاع.

هل يمكن كسر طوق العنف المأساوي؟ لا يمكن ذلك اذا ما اعتقدنا ان اسرائيل او فلسطين تتحمل في كل مرة المسؤولية عن افعال احداهما الاخرى. يجب عدم تنفيذ اية افعال ذات طابع ارهابي، مهما كانت الجهة المنفذة لها ـ الفرد الانتحاري ام الجيش النظامي. فلا يوجد اي مبرر لها.. سواء المعنوي او السياسي.. انها تقود عملية التسوية في الشرق الاوسط الى طريق مسدود. انها تشطب على افاق وجود الناس الآن في هذه المنطقة بأسرها. انها تسلط سيف ديموقليس على رؤوس انظمة كثيرة. كما انها في نهاية المطاف تشطب على اي احتمال لاستقرار الوضع. انها تدل على انه سيفقد السيطرة في كلا جانبي النزاع وفي خط صاعد المشتركون في المفاوضات، الذين يراد منهم عمل كل شيء من اجل احلال السلام العادل والوطيد في الشرق الأوسط.

هل يمكن الحديث عموما عن بقاء الفرص للتطبيع؟ نعم، يمكن ويجب ذلك. بالأخص اليوم. كما يجب ألا يقتصر الامر على الحديث، بل على العمل فوراً. كما يتسم بأهمية كبيرة ان الاسرائيليين والفلسطينيين وافقوا في حينه على خطة ميتشل. وينبغي عدم تأجيل البدء بتنفيذها.

طبعا، قد يعترض البعض ويقول ان الوضع قد تغير كثيرا منذ لحظة اعلان هذه الخطة. نعم، هذا صحيح. لكن دعنا نتذكر البنود الرئيسية لهذه الخطة، والمبادئ الرئيسية لها التي يجب ان تطبق. انها ايقاف اطلاق النار من قبل الجانبين، وسحب القوات الاسرائيلية الى المواقع التي كانت تشغلها قبل بدء الانتفاضة الحالية، وامتناع الاسرائيليين عن توسيع النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة في اثناء اجراء المفاوضات مع الفلسطينيين، واستئناف مفاوضات السلام.

وهذه المبادئ راسخة والاحداث الماضية تعزز فقط الرأي القائل بضرورة الالتزام بها. من جانب آخر من الواضح ان من الواجب التحدث اليوم ايضا عن اجراء بعض التوقيعات والاضافات في هذه الخطة. ومن وجهة نظري فانها يجب ان تكون كما يلي:

1) ينبغي على الاسرائيليين والفلسطينيين ان يشرعوا فوراً وبدون توقف، بعد الاعلان الجديد عن ايقاف اطلاق النار (من المعروف ان مثل هذه البيانات قد صدرت سابقاً ايضاً)، بتنفيذ التدابير الرامية الى الالتزام بوقف اطلاق النار هذا. ويجب على اسرائيل ان تسحب قواتها فوراً، واريد التأكيد على ذلك، وان تتخلى عن النيات في تصفية قادة وناشطي الحركة الفلسطينية، وان تلغي الامر بشأن اطلاق النار الوقائي على اي فلسطيني مسلح (قد يحمل السلاح من يحاول عرقلة تدبير الافعال الارهابية وتنفيذها). اما من الجانب الفلسطيني فيجب في هذه الظروف اتخاذ خطوات ملموسة، بغض النظر عن الرأي السائد في اوساطهم، بهدف درء الافعال الارهابية. بالمناسبة ان سحب القوات الاسرائيلية لن يستقبل بالتصفيق في اسرائيل.

2) يجب على حكومة اسرائيل، بعد قبولها خطة ميتشل، ألا تتهرب فقط من ايقاف النشاط الاستيطاني، بل ان تؤكد ذلك علناً وفوراً. وقد تحدث دنيس روس كبير المفاوضين من الجانب الاميركي سابقاً في محاضرة القاها منذ فترة وجيزة في «معهد شؤون السياسة في الشرق الأوسط» بواشنطن، فقال ان الفلسطينيين قدموا في كامب ديفيد تنازلات كبيرة جداً الى الاسرائيليين. انهم وافقوا على ان يحتفظ الاسرائيليون ببعض المناطق في الضفة الغربية التي ستبقى فيها غالبية المستوطنين اليهود. ألا يعتبر ذلك بمثابة «مبادلة» لامتناع اسرائيل المطلق عن توسيع النشاط الاستيطاني؟

3) بعد تبادل البيانات هذا، يجب ـ وهذا امر أساسي ـ الجلوس فوراً الى طاولة المفاوضات. اما جميع الاحاديث الزاعمة بأنه يجب في البداية متابعة افعال الطرف الآخر، وبعد ذلك يتم اتخاذ القرار حول بدء المفاوضات، فهي نوع من الخداع. فمن الواضح تماماً أنه لن يتسنى الاستبعاد التام لحدوث افعال متطرفة ما، ولو في الفترة الاولى، علما بأن اهتمام الطرفين بتطوير عملية المفاوضات يمكن ان يغدو وحده الأساس الذي يقوم عليه الاستقرار.

4) يؤكد تطور الاحداث في الايام الاخيرة مرة اخرى أنه لا بد من توفر الضغوط الدولية. وبودي اليوم ابراز جانبين لهذه المشاركة، هما توسيع تشكيلة مهمة الوساطة. وبعبارة اخرى ان من الضروري التدخل بسرعة وبشكل فعال في عملية المفاوضات من قبل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي ومصر والأردن. والبلدان الاخيران هما الوحيدان في العالم العربي اللذان يرتبطان بعلاقات تعاقدية مع اسرائيل. انهما يتخذان موقفا مرنا وبناء. ولا ريب في ان مشاركتهما في مهمة الوساطة ستكون ذات مردود ايجابي.

لكن هذا لا يكفي اليوم بجلاء. اما الجانب الآخر للنشاط الدولي في مجال تسوية الوضع في الشرق الاوسط فيجب ان يتمثل في حضور المراقبين الدوليين ميدانيا وتحت رعاية هيئة الامم المتحدة. سواء اراد البعض ذلك أم أبى.

ويقترح بعض السياسيين عقد مؤتمر دولي جديد. وانا اعتقد أن هذه الفكرة غير مثمرة. ولا ريب في ان خصوم القرارات الصادرة عن مؤتمر مدريد للسلام وبالأخص صيغة «الأرض مقابل السلام» سيحاولون في حالة عقد مؤتمر دولي جديد دفن القرارات الأساسية لمدريد. اما لقاء الدول التي ذكرتها آنفاً، وطبعاً مع ممثلي هيئة الأمم المتحدة، فيمكن ان يغدو نافعاً جداً.

يجب العمل. ولا يمكن ان يقف العالم موقف المتفرج على المأساة الجارية في الشرق الأوسط.

* رئيس الوزراء الأسبق في روسيا ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»