المخاوف العربية.. والتنين الصيني

TT

الظاهر أن العلاقات العربية الصينية تعيش خلال السنوات الأخيرة نوعا من الحراك والتفعيل، عبرت عنه بوضوح ندوات انعقدت الأولى منها في بكين عام 2005 والثانية في الرياض سنة 2007 ومؤخرا في تونس يومي 11 و 12 من الشهر الجاري، وهي ندوات تنظر في العلاقات العربية الصينية والحوار بين الحضارتين العربية والصينية، وذلك بتنظيم وتنسيق بين عدة جهات رسمية من جانب الدول العربية وجانب جمهورية الصين الشعبية.

ولكن في الحقيقة هناك مجموعة من الملاحظات تخص إيقاع تفعيل العلاقات العربية الصينية وأيضا المسكوت عنه في الخطوات، التي عقدت إلى حدود الوقت الراهن.

من هذه الملاحظات أنه بالاستناد إلى المنطق العملي نجد أن الجانب الصيني أكثر إقبالا على عملية التفعيل هذه، في حين أن الدول العربية لديها مخاوف عديدة لم تصرح عنها بشكل علني وصريح. لذلك فإن الدول العربية ممثلة في جامعة الدول العربية، تركز في المرحلة الأولى على تفعيل البعد الثقافي والفكري دون التوغل في الأبعاد الأخرى، بالشكل الذي يضاهي طموح التنين الصيني في العالم العربي.

طبعا لا شك في أن للبعد الثقافي وزنه الكبير والهام، خصوصا أن كلتا الحضارتين العربية والصينية تتمتعان بخاصية القدامة والعراقة والإسهام الجلي في كتابة تاريخ الإنسانية وإثراء الفعل المعرفي الكوني. بيد أن المصلحة تقتضي إيلاء كافة الأبعاد الاهتمام نفسه باعتبار أن الهدف تحقيق شراكة بين القطبين تشمل جميع الميادين لاسيما أننا نحن العرب بحكم خوضنا مغامرة التنمية ومحاولة التقدم في أمس الحاجة إلى الاستفادة والتعامل مع طرف نجح بامتياز في التنمية المستدامة وفي تجربة الانفتاح والإصلاح. زد على ذلك أن تاريخ العلاقات العربية الصينية يخلو تقريبا من محن قد تشكل عائقا ومصدر إنتاج المخاوف.

فالعلاقات ضاربة في القدم ولم تكترث بالبعد الجغرافي ولحواجز اللغة فنجد في مؤلفات البيروني والطبري وابن بطوطة وغيرهم حضورا للحضارة الصينية رموزا وقيما إضافة إلى دور طريق الحرير في نشر الإسلام داخل الإمبراطورية الصينية، وفي إقامة تبادلات تجارية رابحة حيث كانت بضاعات الحرير والبخورات والعطورات والتوابل مطلوبة من العامة والخاصة.

ودون الدخول عميقا في مظاهر عمق العلاقات التاريخية الصينية العربية فإن المراد تبليغه أن هذا الإرث التاريخي يشكل دعامة أساسية لتفعيل العلاقات اليوم خصوصا أنه هناك مصالح مشتركة ومنافع يمكن أن يلبيها كل طرف للآخر.

طبعا تشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين والعرب قد بلغ سنة 2007 %86,4 وأن حجم الاستثمارات الصينية في الدول العربية في ازدياد. ولكن هذه الزيادة هي أقل بكثير من الأرقام الممكن بلوغها لو أزيحت المخاوف وتمت تقوية الإرادة والاستعداد. بل أنه حتى على المستوى السياسي بالإمكان تحقيق تقارب أكثر جدية وفائدة ولكن يظهر أن الجانب الصيني المعروف بحساب مصالحه براغماتيا، يقيس الإرادة العربية ويتصرف طبعا لمعدل حرارة الحماسة العربية في تفعيل العلاقات العربية والصينية.

إن جمهورية الصين الشعبية كقوة دولية بارزة وذات مستقبل دولي خطير، تنتظر من الدول العربية أن تجاريها في طموحاتها التجارية والاقتصادية وأن تكون العلاقات الثقافية رافدا مهما لا رافدا جوهريا يطغى على بقية الأبعاد وعلى رأسها الاقتصادي والتجاري. طبعا قد يكون للدول العربية الحق في مجموعة من المخاوف، ولكن لا شيء يمنع من التعبير بصراحة عن هذه المخاوف والحوار حولها وتوضيح الحقيقي والمبالغ فيه في هذه المخاوف.

وليس من مصلحة العرب التأثر بالقلق الأوروبي والأميركي، فالعلاقات العربية الصينية مختلفة تماما عن العلاقات الأوروبية الصينية والعلاقات الأميركية الصينية. ذلك أن أوروبا والولايات المتحدة قلقتان من الغزو الاقتصادي الصيني لأكثر من ثلثي أسواق العالم وانطلاقها في الاستثمار في استخراج الموارد الطبيعية في الخارج. بل أن هذا القلق بلغ ذروته وراجت مقالات في الصحف الأميركية تتوقع أن تصبح مدينتا لوس أنجلس وسان فرانسيسكو ملكا للصينيين بعد ثلاث سنوات.

في حين أن الدول العربية التي تحتاج إلى الاستفادة من تجربة الصينيين القياسية في التنمية والتي تعاني من بطالة فادحة يمكن أن تتضاءل بتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، يمكن لدولنا أن تراهن على الصين كشريك تستند إليه في معالجة مشاكلها التنموية مع أخذ الاحتياطات اللازمة بالنسبة إلى بعض المخاوف. لذلك لابد من الصراحة كي تتعزز الثقة اللازمة لبناء شراكة حقيقية وتحقيق المصالح المشتركة.

وإذا كنا اليوم نكتفي بدعم الصين النسبي للقضايا العربية في مقابل الدعم العربي لمبدأ الصين الواحدة وغير ذلك، فإن الدعم السياسي الصيني لنا سيتضاعف مرات ومرات لو عرفنا كيف نمزجه بالمصلحة وبالبترول وبالغاز وبحاجيات التنين الأصفر المتزايدة.

[email protected]