لوحة جهنم الإيطالية ورواية رشدي: الخطأ المتكرر!!

TT

وان وصفها الايطاليون بأنها لوحة فنية لا تقدر بثمن فإنها واحدة من اشد الاساءات الى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

لعلكم سمعتم عن الضجة الكبرى التي اثارتها أخيرا هذه اللوحة التي رسمها قبل ستمائة عام (جوفاني دامودنا) ـ وهو فنان ايطالي تافه حاقد ـ صور فيها النبي عليه الصلاة والسلام وهو يعذب في النار. هذه اللوحة معلقة الآن في كاتدرائية كاثوليكية في احدى المدن الايطالية، وكانت هذه اللوحة ستعبر دون ضجة مثل غيرها من اللوحات الهابطة لولا ان الذي رسمها قد كتب ـ على غير عادة الرسامين المحترفين ـ بجوار الصورة المزعومة كلمة (محمد).

من الطبيعي ان تثور ثائرة الجالية المسلمة في ايطاليا ليس على اللوحة فقط، فالجالية هناك مهما بلغت قوتها وتعاظم تأثيرها فلن تستطيع ان تكبل أيادي فنانين هابطين من نفث حقدهم على هيئة لوحات مماثلة ان لم تكن أسوأ، لكن اعتراضهم انصب على الكنيسة الكاثوليكية التي سمحت بعرض هذه الصورة القذرة للغادين والرائحين من زوارها ومصليها، ولهذا لم يطالب اتحاد المسلمين الايطاليين بإتلاف اللوحة لأنهم يعلمون استحالة تنفيذ هذه الرغبة تمشيا مع نظرة الايطاليين اليها على انها عمل فني عتيق بغض النظر عن محتواه، وتركزت مطالبتهم على (ازاحتها) فحسب.

لقد اثار حفيظة المسلمين هناك اصرار الكنيسة على بقاء اللوحة، وهي التي صمخت آذانهم بشعارات التسامح واحترام الاقليات والمعتقدات وتقدير الانبياء، وساءهم اكثر المنطق الجدلي المتهافت من ان هذه لوحة فنية تعبر عن وجهة نظر رسامها، وهذه ـ بطبيعة الحال ـ حجة أوهن من بيت العنكبوت بدليل ان المركز الاسلامي في روما لو انه نظم، من ضمن فعالياته ونشاطاته، معرضا حوى لوحة فيها اهانة للبابا او لأحد الرموز الكنسية مماثلة لما رسمته يد هذا الشيطان ـ وحاش المركز ان يفعل ـ لثارت ثائرة الفاتيكان وحق لهم ذلك!! إذاً ما الفرق بين الحالتين؟.

اما وقد برد لهيب العاطفة المتأجج، وانحسر غبار الفتنة، احسب اننا بحاجة الى وقفة مصارحة مع النفس للتحقق من الاسلوب الامثل لاظهار الاعتراضات والاحتجاجات واخص بحديثي جالياتنا الاسلامية في الدول الغربية، فمع تقديرنا الكامل لحميتهم وغيرتهم الصادقة مما حملهم على التنادي لتنظيم مسيرة اسلامية ألوفية كبرى في روما للضغط على الكنيسة لازاحة هذه اللوحة الحاقدة من جدران الكنيسة، فإن مقاصد الشريعة ومنطق العقل قد لا تتفق مع الاستسلام للعاطفة المتأججة دون النظر بروية وتؤدة في عواقب الامور ونتائجها.

وبعبارة صريحة اقول ان لوحة فنية تافهة تقبع في كنيسة مغمورة في مدينة نكرة (أجزم ان اغلبكم لم يسمع بها ولولا اني لا احب ان ابث لها دعاية رخيصة لسميتها) لا تستحق رفع الصوت واشهار الاحتجاج والتنادي لتنظيم مسيرة بشرية كبرى، فهذا من شأنه ان يرفع من اسهم هذه اللوحة الحقيرة ويعلي من شأنها ويكسبها شهرة لم يحلم بها من رسمها او تشفى بالمسلمين بوضعها على الحائط!! وهذا بالضبط ما حصل!! فبعض الايطاليين، بل بعض الاوروبيين اجتاحهم ـ بعد موجة الاحتجاج ـ شوق لرؤية هذه اللوحة، بل ان وسائل الاعلام الغربية تنافست في ما بينها على تسويق دعاية ربما لم تكن مقصودة، وكويتب هذه السطور لم يعلم عنها إلا من خلال صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية الشهيرة التي ابرزت هذه اللوحة بمساحة غطت حوالي ربع الصفحة!! أجزم ان هذا ما لا يريده اخواننا الغيورون في الجالية الاسلامية بايطاليا.

لقد قدمت تجربة تعاملنا مع رواية الشيطان سلمان رشدي الكثير من الدروس، لكننا لا نعتبر.