الجدل الأميركي حول سياسة الاغتيالات الإسرائيلية

TT

مع تصاعد وتيرة النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي لا يجب ان نضع جانبا مسألة الجدل حول عمليات الاغتيال التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين. فقد اثارت تعليقات ادلى بها نائب الرئيس الاميركي دك تشيني في قنوات تلفزيونية اميركية جدلا واسعا، اذ ان هذه التعليقات تؤيد، فيما يبدو، سياسة الاغتيالات التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين.

عندما سئل تشيني عن سياسة الاغتيالات الاسرائيلية رد تشيني قائلا: «ما تفعله اسرائيل عبارة عن جهود لوقف النشاطات الارهابية، فهي تتعقب الارهابيين. وفي بعض الحالات اعتقد ان هذه العملية مبررة. فاذا كانت هناك منظمة تدبر عملية هجوم انتحاري، على سبيل المثال، وتوفرت معلومات حول الشخص الذي سينفذ الهجوم ومكان وجوده، اعتقد ان هناك مبررا لمحاولة حماية انفسهم باتخاذ تدبير يمنع وقوع الهجوم الانتحاري».

سأل مقدم البرنامج نائب الرئيس الاميركي حول ما اذا كانت اسرائيل قد اشارت الى ان هذه الضربات تدبير احترازي، واجاب تشيني قائلا: «ادرك ان اسرائيل في بعض الحالات قدمت للسلطات الفلسطينية اسماء اشخاص ومواقع محددة طالبة من المسؤولين اتخاذ خطوة ضد الارهابيين في الاراضي الفلسطينية. وعندما فشلت السلطات الفلسطينية في اتخاذ اللازم تجاه هؤلاء شنت اسرائيل الهجوم بنفسها».

منذ اعلان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية، قبل تعليقات تشيني بيوم، عن ادانة سياسة اسرائيل مؤكدة على ان الولايات المتحدة «ضد ممارسة الاغتيالات الموجهة»، برز سؤالان مهمان:

ما هي السياسة الاميركية الرسمية؟

هل ثمة خلاف بين وزارة الخارجية الاميركية والبيت الابيض حول هذه السياسة؟

السؤال الاخير كان موضوع نقاش في وسائل الاعلام الاميركية خلال الاسبوع الماضي مع وجود اجماع عام على ان بعض الاعتبارات السياسية في البيت الابيض ربما تحبط محاولة الخارجية الاميركية لصياغة سياسة اكثر فاعلية تجاه الشرق الاوسط.

وفي اعقاب بيان تشيني حاول المتحدث باسم البيت الابيض ازالة أي شكوك حول ثبات وتماسك السياسة الاميركية. وفيما حاول اقناع الصحافيين بأن تعليقات تشيني لم تكن مفهومة تماما أو انها انتزعت من سياقها، اختتم المتحدث قائلا: «الادارة الاميركية على مختلف مستوياتها تدين العنف بما في ذلك عمليات الهجمات الموجهة لأهداف محددة».

هذا التأكيد لم يعالج المسألة، اذ ان الاسئلة لا تزال تطرح حول موقف الولايات المتحدة تجاه عمليات الاغتيالات التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين وحول ما تنوي اتخاذه من اجراءات لإحداث تغيير تجاه ما وصفته بأنه «ممارسة تدينها».

سعيا لحمل الادارة الاميركية على اتخاذ موقف اكثر وضوحا، وجه «المعهد العربي ـ الاميركي» خطابا لوزير الخارجية الاميركي حاثاً الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات اكثر صرامة بهدف لجم اسرائيل. فقد ناشدنا في خطابنا وزير الخارجية الاميركية بتطبيق احكام «قانون تنظيم تصدير السلاح» التي تحرم الدول التي تحصل على الاسلحة الاميركية من استخدامها على نحو يتعارض مع غرض الحصول عليها. وينص هذا القانون على ان السلاح الاميركي يقدم للدول بغرض «الدفاع المشروع عن نفسها» ويحرم تماما استخدامها ضد المدنيين او على أي نحو يؤدي او يساهم في «تصعيد النزاع».

وبما ان الادارة الاميركية ادانت العديد من هذه الهجمات الاسرائيلية ووصفتها بأنها «استفزازية» وحذرت من خطر تصعيدها للنزاع، نعتقد انه من المنطقي ان يطبق وزير الخارجية الاميركي «قانون تنظيم تصدير السلاح» ووقف الطائرات الاميركية التي استخدمتها اسرائيل في هجماتها. تجدر الاشارة هنا الى اننا تلقينا قبل ثلاثة اشهر ردا من وزارة الخارجية والبيت الابيض على طلب تقدمنا به في وقت سابق يتعلق بنفس القانون، اذ ابلغنا بأن الجهات المسؤولة تجري تحقيقا «جادا» حول هذه المسألة. غير ان المثير للقلق ان متحدثا باسم الخارجية الاميركية صرح الاسبوع الماضي لصحافيين بأن الجهات المسؤولة توصلت الى ان استخدام اسرائيل للاسلحة الاميركية لا يتعارض مع «قانون تنظيم تصدير السلاح» وان التحقيق في هذه المسألة اقفل.

وواصل بعض الصحافيين الضغط على المتحدث باسم الخارجية الاميركية لتوضيح التضارب بين ادانة الولايات المتحدة لسياسات الاغتيال الاسرائيلية وفشل الادارة الاميركية في تطبيق القانون الاميركي. واوضح المتحدث ان المسألتين احدهما سياسي والآخر قانوني، غير ان ذلك لم يسكت الصحافيين الذين سألوا المتحدث حول ما اذا كانت الادارة الاميركية تعتقد ان ثمة ما يبرر «الدفاع المشروع» لاسرائيل عن نفسها، كما قال تشيني في وقت سابق. وبمعنى آخر، فإن فشل الولايات المتحدة في تطبيق «قانون تنظيم تصدير السلاح» يجعل موقفها غير واضح ازاء سياسة الاغتيالات الاسرائيلية. وادراكا منها لخطورة هذا الموضوع، حشدت اسرائيل العديد من مؤيديها للدفاع عن موقفها، فقد انضم خلال الاسابيع الاخيرة الاصولي اليميني بات روبرتسون الى جو بيدن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، والسيناتور تشاك تشومر في الدفاع عن سياسة الاغتيالات التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين. وحتى مارتن انديك، السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل، استخدم لغة اشبه بلغة دك تشيني في الحديث عن الممارسات الاسرائيلية. ولوضع هذه المسألة برمتها في اطارها التاريخي، يجب علينا ان نتذكر ان الاغتيالات ليست سياسة اسرائيلية جديدة. فلعقود طويلة شاركت اسرائيل في استهداف واغتيال القيادات الفلسطينية. وبالرغم من كونها سياسة قديمة فإنها مرت بعدة مراحل، وتطبيقها الحالي مختلف في عدة وجوه من الممارسات الماضية.

ففي السبعينات والثمانينات، على سبيل المثال، اغتالت اسرائيل عشرات من القيادات الفلسطينية في جميع انحاء اوروبا والعديد من العواصم الاوروبية. وقد فعلوا ذلك باستخدام العديد من الوسائل المختلفة: غارات للقوات الخاصة، فرق اغتيال سرية على طريقة العصابات ورسائل وسيارات مفخخة. وفي معظـم هذه الحالات، كانت اسرائيل تنفي مسؤوليتها المباشرة، حتى عندما كان يتم القبض على عملائها او تعرضهم للشبهة.

وبعد الانتفاضة الاولى، انتقلت الاغتيالات الى الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث استخدمت اسرائيل الجنود في مهمات سرية لتنفيذ عمليات قتل الفلسطينيين المستهدفين «للتصفية». ومرة اخرى، خلال تلك الفترة، بذلت اسرائيل جهدا كبيرا لنفي اي تورط مباشر في هذه العمليات - بالرغم من انهم في كثير من الاحيان كانوا يعبرون عن شعور خبيث بالارتياح لقتل الذين تصر على وصفهم بـ «الارهابيين».

اما الاغتيالات التي تتم في الوقت الحاضر فهي مختلفة. فهم يستخدمون اسلحة «ذكية» ودبابات وطائرات هليكوبتر. واصبحت اسرائيل صريحة للغاية بخصوص سياستها بتصفية الفلسطينيين. وبالرغم من حساسيتها لرد الفعل العالمي، فإنها ترفض وصف ما تقوم به بـ «الاغتيالات» وتفضل استخدام عبارات ملطفة مثل «غارات موجهة». ونشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان وزير الخارجية شيمعون بيريس «شن هجوما حادا على وسائل الاعلام الاسرائيلية لوصفها «الغارات الموجهة» لمنع الهجمات على المدنيين بـ «سياسة اغتيالات».

ونقل عن بيريس قوله «ماذا يعتقدون هل نحن عصابات مافيا تقوم بعمليات اغتيالات؟» وهذا بالضبط رأي العديد من الحكومات ومنظمات حقوق الانسان في الولايات المتحدة في تلك السياسة الاسرائيلية. وحتى الآن، فإن الادارة الاميركية هي الوحيدة التي تقاوم.

إلا ان المعركة السياسية في واشنطن لم تنته بعد.

لقد اصبحت اسرائيل اكثر جرأة وزادت من حجم عملياتها ضد القيادات الفلسطينية. ففي اسبوع واحد، تمت تصفية اكثر من عشرة اشخاص مما يطلق عليهم «المستهدفون» وفي كل حالة من الحالات التي تصرف فيها الاسرائيليون كقضاة ومحلفين ومنفذين، اصروا ان كل ضحاياهم ليسوا فقط ارهابيين بل كانوا يستعدون لتنفيذ عملية. ولم يقدم الاسرائيليون اية ادلة لتبرير الادعاء بـ «الدفاع عن النفس».

ولان عمليات القتل هذه هي خارجة عن نطاق التقاضي وغير قانونية وفي غاية الاثارة، ولان المارة «غير المستهدفين» راحوا ضحية لمثل هذه العمليات، فيجب ادانتها ووقفها.

ولكن لان الولايات المتحدة تبدو، على الاقل، غير واضحة في كيفية الحكم على تلك العمليات ومترددة في تطبيق القانون الاميركي الذي يمكن ان يؤدي الى وقفها، فمما لا شك فيه ان عمليات القتل الاسرائيلي ستستمر.

* رئيس المعهد العربي ـ الاميركي