هل باستطاعة تايلاند تجنب التردي في الهاوية؟

TT

من الواضح أن حملة الكراهية التي بدأت في تايلاند في عام 2005 وتكثفت في عام 2008 لاقت نجاحا، وتمكنت بالفعل من خلق حالة من الاستقطاب داخل المجتمع التايلاندي على نحو غير مسبوق. والآن، حان الوقت لإعادة تعديل مسار الحياة السياسية الداخلية في تايلاند قبل فوات الأوان.

لقد كان من المخيف خلال تلك الفترة متابعة الموضوعات والكلمات التي جرى استخدامها داخل البلاد، ذلك أنها حملت تشابها كبيرا بما سبق وجرى استخدامه في رواندا، ما أسفر في نهاية الأمر عن إبادة جماعية بالأخيرة منذ 15 عاما. ويرجع النجاح الذي أحرزته حملة الكراهية في جزء كبير منه إلى بث رسائل كراهية على مدار الساعة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. أضف إلى ذلك.. التظاهرات والمسيرات، بما في ذلك احتلال مقر الحكومة، وإغلاق المطارات الدولية من قبل متظاهرين يرتدون قمصان صفراء، أعضاء «التحالف الشعبي من أجل الديمقراطية»، الذين عقدوا عزمهم على إسقاط حكومة منتخبة. ودعا التحالف إلى إقرار برلمان يهيمن عليه أعضاء دخلوه عن طريق التعيين، وليس الانتخاب.

وبعثت تلك الأحداث برسالة قوية، مفادها أن الأعمال غير القانونية التي تضر بالمصالح القومية التايلاندية، والرامية إلى إسقاط حكومة منتخبة، باتت مقبولة داخل البلاد. ومن جانبها، لم تتخذ المؤسسة العسكرية أي رد فعل لفرض القانون ضد حركة «القمصان الصفراء».

والآن، باتت جماعات المعارضة في تايلاند تنظر إلى الوضع باعتباره شبيها بلعبة المحصلة الصرفية، بمعنى أن فوز أي طرف يترتب عليه بالضرورة خسارة طرف آخر. ومع اتباع مثل هذا التوجه، لا توجد أدنى إمكانية للتوصل إلى تسوية تضمن لمختلف الأطراف مكاسب متبادلة.

ومع تطور الأحداث في أعقاب الانقلاب العسكري، تولدت قناعة لدى الكثيرين من أبناء تايلاند بأنه تجري ممارسة معايير مزدوجة داخل بلادهم، بحيث يمكن لأعضاء فريق ما انتهاك القانون دون رادع، بينما يخضع أعضاء فريق لأقصى صور العقاب.

والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن: كيف يمكننا وضع حد لهذا التفاقم في الصراع؟.

يتمثل السبيل الوحيد، من وجهة نظري، في الاستعانة بكلمات وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون أثناء لقائها مع نظيرها الروسي، سيرغي لافروف. خلال هذا اللقاء، وبناءً على تنبهها لمسألة تردي العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، اقترحت كلينتون الضغط على «زر إعادة الضبط». والآن، أؤكد أنه حان الوقت للضغط على زر إعادة الضبط بالنسبة لتايلاند. إن تايلاند بحاجة ملحة إلى بداية جديدة، ما يعني إحداث تغيير فوري في الافتراضات والتوجهات المرتبطة بكافة الأطراف، يعقبه الشروع في عمل بناء. لكن كيف السبيل إلى ذلك؟

1ـ يجب أن يتوقف التايلانديون عن إهدار وقتهم وطاقاتهم وقدراتهم الفكرية في شن هجمات لتدمير بعضهم بعضا. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يستغلوا هذه الموارد للوصول إلى حلول مقبولة لكافة الأطراف عبر التفاوض والحوار البناء.

2ـ يجب أن يفصل التايلانديون الشعب عن المشكلة، ويجب والامتناع عن محاولات إيجاد سبل إبداعية لإلحاق الدمار ببعضهم بعضا. ويجب أن نقاوم الإغواء المتعلق بالعمل ضد شخص ما، انطلاقا من افتراضات قائمة على الشائعات أو اتهامات غير مؤكدة. إن الهجمات الشخصية لا تسفر سوى عن هجمات شخصية مضادة، وتصلب الآراء والمواقف. ويجب وضع نهاية لذلك.

3ـ بدلا من إعلان مواقف، والظن بأن ليس باستطاعتنا التراجع عن مواقف معلنة دون فقدان ماء الوجه، دعونا نركز اهتمامنا على مصالحنا الأساسية، والعمل معا على إيجاد أرضية مشتركة، فنحن جميعا تايلانديون في نهاية الأمر. وقد عشنا معا في سعادة لما يزيد على 800 عام. وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه ليس بمقدورنا العمل معا الآن.

4ـ يجب توفير أسباب وجيهة أمام التايلانديين، لإقناعهم بأنه لا توجد معايير مزدوجة في بلادهم. ويجب تطبيق القانون على النحو الملائم على جميع التايلانديين، بغض النظر عن الجانب الذي ينتمي إليه المرء.

5 ـ علينا تجنب تطبيق القوانين على نحو رجعي بما يسلب الأفراد حقوقهم، مثل القانون الذي يقضي بأنه حال إدانة مسؤول تنفيذي بحزب سياسي بانتهاك قانون الانتخابات، يصبح من الممكن حل الحزب السياسي بأكمله، وفقدان جميع المسؤولين التنفيذيين بالحزب حق التصويت في الانتخابات المحلية والوطنية، ويحظر عليهم تولي مناصب سياسية لمدة خمس سنوات. إضافة إلى ذلك، ينبغي تطبيق مبدأ التناسب عند فرض المحاكم لعقوبات.

6ـ يجب أن نتوقف عن التجادل حول ما إذا كانت هناك سياسية معايير مزدوجة في تايلاند منذ انقلاب عام 2006 حتى الآن، حيث لن يتمخض مثل هذا الجدل سوى عن نتائج سلبية، لأنه سيساعد على تعزيز المواقف القائمة على الاستقطاب داخل كل جانب.

7ـ يجب مراجعة المواد المثيرة للجدل التي تضمنها دستور عام 2007، بحيث تصبح أكثر تناغما مع مبادئ الديمقراطية.

8ـ يجب احترام النتائج التي ستتمخض عنها انتخاباتنا المقبلة. وما زال أمام جميع الأحزاب السياسية متسع من الوقت، يسمح بصياغة استراتيجيات فاعلة للفوز في الانتخابات. ولا يجب غض الطرف عن لجوء البعض إلى سبل غبر قانونية، بهدف التأثير على نتائج الانتخابات.

ومن جانبي، آمل في أن يأتي اليوم الذي يتمكن التايلانديون فيه من السير جنبا إلى جنب، يملأهم الفخر، مرتدين قمصانا تحمل ما يحلو لهم من ألوان، ومتحدين في ظل مجتمع عادل، ويعملون معا لتمكين المملكة من النجاح في عصر العولمة.

جدير بالذكر أن رئيس الوزراء التايلاندي، أبهيسيت فجاجيفا غالبا ما شدد على عزمه تحقيق مصالحة، من خلال تعزيز العدالة والديمقراطية والإصلاح السياسي، بما في ذلك تعديل الدستور. وقال فجاجيفا إنه سيدعو كافة الأطراف المعنية لمناقشة سبل دفع البلاد نحو الأمام. وبالتأكيد سيكون من المفيد على هذا الصعيد تشكيل كيان حيادي ومستقل تقبله جميع الأطراف.

*وزيرخارجية تايلاند السابق

*خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ («الشرق الأوسط»)