العشاء مع الأمين العام (الآخر)

TT

تلك كانت المرة الأولى التي ألتقي بها سعادة الأمين العام. فقد اعتدت في الماضي أن أذهب إلى الأمم المتحدة كل خريف للكتابة من أروقة الجمعية العمومية. بدأت مع النمساوي كورت فالدهايم، وتوقفت بعد عام من مجيء الغاني المتأنق.

فقد ألفنا الأمم المتحدة حتى أصبحت عادة من العادات ودارا من الدور. ومن شرفاتها، كان يمكن للصحفي أن يشاهد قضايا العالم أجمع والكثير من الزعماء والعديد من المسؤولين. وذلك دون أن تتحمل أي مسؤولية على الإطلاق. فهذه دار الأمم لا دار الأمة. وألوان الشعوب وأصناف الأنظمة وأنواع الدول، من حجم الطين إلى ـ بلغة الملاكمة ـ حجم الذبابة.

فقدت الحماس في السفر إلى نيويورك بعد طرد بطرس غالي بالطريقة التي طردته بها المسز أولبرايت. وأشاهدها الآن في المطارات والمؤتمرات، وحيدة من دون أبهة ومواكب وكعب عال. وقد قال المتنبي «إن حسن الوجوه حال تحول وكذلك الوجوه التي لا حسن فيها». وكما صار بطرس غالي خارج الصورة، أو «الحكومة» كما يسميها على الطريقة المصرية، هكذا أصبحت المسز أولبرايت، التي بدأت شهرتها ـ وقوتها ـ عندما قالت إن فيدل كاسترو «بلا رجولة».

عندما دعانا وزير خارجية البحرين الشيخ خالد آل خليفة إلى العشاء مع بان كي مون، شعرت أنها مناسبة توفر عناء السفر إلى نيويورك. ووجدت سعادته أصغر بكثير مما تبديه الصور. وأكثر وضوحا وصراحة مما هو في الخطب الرسمية، وأقل ترددا أيضا. وثمة أحجية في وجوه الآسيويين. فهم يضحكون باستمرار عند كل مقطع. ويبتسمون وهم يتحدثون عن الكوارث. وصباح ذلك اليوم كنت إلى جانب سفير دولة آسيوية كبرى في مؤتمر لمحاربة الكوارث. وكان يشرح لي أهمية المؤتمر ويضحك. ويتحدث عن الزلازل ثم يضحك. وسألته عن قتل 3 ملايين كمبودي فانفجر بالضحك، وهو يصحح لي أن الرقم أعلى من ذلك بكثير.

لم يحضر سعادة السفير العشاء والحمد لله. وكانت مائدة الشيخ خالد مختصرة في أي حال، وإن سخية بالمأكولات اللبنانية. وتسنى لنا بذلك الإصغاء إلى السيد بان كي مون، الذي اختار أن يكون عدد الأسئلة التي يطرحها ضعفي التي يجيب عليها. وقد سمعت في حياتي أنواعا كثيرة من التمنيات الطيبة، مثل عام سعيد أو سنة حلوة يا جميل. لكن وأنا أودع الأمين العام سمعت أمنية لا سابقة لها، قال لي سعادته: «انتخابات طيبة لكم». اللهم استجابتك.