يوم الغربان السود!

TT

الصوفية يسمون هذه اللحظة: بالغراب الأسود.. أو الصعق.. أو الترفانا..

وهى حالة ينعدم فيها الشعور بأي شيء حولنا أو داخلنا.. وإنما لا يشعر الإنسان بما يفعله. فقط أن ينعزل أو يعتزل وأن يرفض كل ما تقدمه الحواس الخمس.

وأن يبقى ذلك يوما أو شهرا أو لحظة.. ويسميها علماء النفس بلحظة الإطفاء أو الانطفاء..

ولا بد أنها كانت حالتي. رحت أزور أخي في الإنعاش.. وحزنت على ما صار إليه.. ولم أجد ما أقوله. فهو ينظر كأنه يتصور أنني قادر على أن أفعل شيئا. وأنا لم أفكر في حاجة لكي أؤكد له ذلك.. فأنا مأخوذ مسلوب منهوب عاجز..

وإلى جوار أخي كان الكاتب الكبير ثروت أباظة لا يزال قادرا على الابتسام. ولا كان في حاجة إلى أن يقول. ولا كنت.. وإنما التقت عيوننا وعجزنا عن فعل شيء أو فهم شيء..

والتفتّ ورائي فإذا بالدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة.. ولم أكد أراه وحوله أهله وأقاربه وفي لحظة سوداء قاتمة السواد. جلست أسأله وأتحقق منه في واقعة تاريخية. ولم أتبين لونه وشحوبه وأين هو. وجلست وانفتحت شهيتي للكلام وناقشت كأننا نجلس في مقهى أو في ندوة أدبية. ورغم عجزه عن الكلام والحركة فإنني أسأله وأسأله. ولم ألاحظ أهله وعيونهم الحمراء التي فشلت الدموع في إخمادها..

وفي الطريق إلى البيت تنبهت إلى بشاعة ما فعلت وإلى هذه الغلطة الفظيعة. ولمت نفسي كثيرا. وندمت، ولا أزال أذكر هذه الواقعة وأشعر أن عبئا ثقيلا نزل على رأسي وصدري وكاد يكتم أنفاسي.

ما الذي كنت أريد أن أعرف؟ شيء تافه! ولكنه كشف عن ما لا نهاية له من الغربان السود سدت منافذ الفكر والذوق!

يرحمهم الله جميعا!