سهرة ولا كل السهرات

TT

لست من هواة ارتياد والتردد على (مرابع الليل)، ولم أدخلها إلا مرغما وكأنني أجر لها بالسلاسل، أو مضطرا عندما يلعب الشيطان بعقلي، ونادرا ما كان يلعب، وكل ارتيادي لها ما هو إلا نوع من حب الاستطلاع والعلم بالشيء، وكلها لا تزيد في عددها عن أصابع اليد الواحدة، واسمحوا لي لأول مرة أن أضرب بمقولة: إذا بليتم فاستتروا، رغم أنني اليوم والحمد لله قد (حصنت) نفسي عن هذا الزلل، وعاهدتها أنني لن أعيد هذه الكرة مهما كان حتى ولو على (جثتي)، إلا إذا طرأ ما ليس بالحسبان، وإن شاء الله ما يطرأ.

واحدة من تلك الزلات التي يؤنبني عليها ضميري ويندى لها جبيني، عندما أكل أحدهم بعقلي حلاوة، وأغراني بالذهاب معه إلى ملهى (الأريزونا) بشارع الهرم في قاهرة المعز.

وعنها ما كانت من روحة مع ذلك المتهور الذي لا يراعي حرمة لأي مكان، لأننا عندما وصلنا وجدنا كل الأماكن في الطابق الأرضي ممتلئة، وأصعدونا للطابق الثاني المطل على الطابق الأرضي، وحيث إن رفيقي من نوعية (الدم الحامي)، ويبحث عن المشاكل حتى في (أذناب الكلاب)، فقد صب جام غضبه من أول ما دخلنا على المستخدمين، وازداد غضبه واشتعاله أكثر عندما لم يجدوا لنا مكانا غير في الطابق العلوي، وكنت محرجا أيما إحراج، وكلما حاولت أهدئ الموضوع وأعتذر (للغراسين) اتهمني بالضعف والجبن، ولعنت اليوم الذي ذهبت فيه مع هذا (الرزيل)، ولا أدري ما الذي طببني معاه؟! ولكن (إذا وقعت يا فصيح لا تصيح)، وفعلا لم أصح وإنما جلست على أعصابي.

وحصل شيء لم أتوقعه إطلاقا، لأننا عندما جلسنا وطلب صاحبنا ما طاب له من المآكل والمشارب، وإذا بقطة مسكينة تتمسح بأقدامنا علنا نجود عليها ببعض الفتات، وكنت بين الحين والآخر أرمي لها ببعض ما جادت به نفسي.

غير أن المتهور صاحب الدم الحامي ضاق بها ذرعا، (فحط حرته بها) فما كان منه إلا أن يتناولها بيده الغليظة ثم يرمي بها من الطابق العلوي إلى الأرض، فسقطت وهي تموء بصوتها المرتفع على طاولة مستديرة متحلق حولها ما لا يقل عن عشرة رجال ونساء من علية القوم، وكلهم ضاربون نفسهم بالشيطان الرجيم، وفي منتهى الشياكة، وتفاجأوا بهذا الذي سقط على طاولتهم وهم في عز انسجامهم، وصاح من صاح، وسقط من سقط، وهرب من هرب، وكأن هناك انفجارا إرهابيا قد حصل في الصالة، وتراكض (السكيورتي) من كل حدب وصوب، والحمد لله أنهم لم يعرفوا أن القطة قد سقطت عليهم بفعل فاعل.

تذمرت كثيرا مما حصل، فانكمشت على كرسيي وأنا أردد: «اللهم عدّيها على خير».

استمر الطبل والزمر والغناء والرقص وبدأ (التنقيط)، وهو اختراع عربي في بعثرة النقود بكل سفه، بعضهم يرمي بالعملات المصرية، وبعضهم بالخليجية، وبعضهم بالدولارات.

وتفاجأت بالرجل الحمش الذي جرجرني معه، تفاجأت به يفتح شنطة صغيرة معه، ويخرج رزما كبيرة من النقود لم أتبين ما هي، وينادي على أحد (الغراسين) ويطلب منه أن يرمي بها تحت أقدام إحدى المغنيات، واستأت كثيرا من فعلته، وفعلا رماها وبعثرها على (البست)، وفرحت المغنية بها ورفعت رأسها نحونا علامة الشكر والامتنان، وصاحبي يؤشر لها بيده، ويرسل لها قبلاته الحارة في الهواء.

وبعدها التفت لي قائلا: إن المغنية (الهبلا) لا تدري أن النقود التي أرسلتها لها ما هي إلا (ليرات لبنانية).

[email protected]