سوزان تميم!

TT

في القضايا الجنائية، غالبا ما يتحول الكثير من الناس إلى «قضاة» يبرئون، أو يدينون، في حالة استباق لأحكام المحاكم، ويبرز ذلك في القضايا التي تتضخم لتصبح قضايا رأي عام، وتعد قضية المطربة سوزان تميم من أكثر القضايا التي خاض فيها الناس، وأدلوا فيها بدلائهم، ومن العوامل التي أدت إلى هذا الاستباق أن المغدورة فنانة، اتسمت حياتها بالكثير من التقلبات الحادة، والفواجع المتلاحقة، والأحداث المربكة، وقادتها نقمة الجمال إلى نهايتها المبكرة، والمتهمان بقتلها أحدهما سياسي ورجل أعمال بارز، والآخر رجل أمن سابق، كما أن المحامين الذين ترافعوا في القضية يشكلون كوكبة من أشهر وأبرع رجال القانون، إضافة إلى أن حدوث الجريمة في مدينة دبي ـ المدينة العصرية ـ أسهم في إمداد جهات التحقيق بصور، ووثائق، ومعلومات أضفت مزيدا من الإثارة على القضية.

ومن دلائل حالات الاستباق في قضية سوزان تميم أن الناس حتى ما قبل صدور الحكم بإحالة أوراق المتهمَيْن إلى مفتي الجمهورية سادتهما حالتان متباينتان، الأولى ترى ببراءة المتهمَيْن، والأخرى تذهب إلى الإدانة، والفريقان لا يستندان في النفي والاتهام إلى مرتكزات موضوعية، أو معلوماتية تبرر تلك اليقينية المفرطة. والسؤال: لماذا الناس يمارسون هذا الاستباق لأحكام المحاكم في مثل هذه القضايا الجنائية؟ من وجهة نظر نفسية بحتة أخال بعض الناس يفعلون ذلك، لإحساسهم بفداحة الجرم، وهم على المستوى اللاشعوري قد يستشعرون طمأنينتهم عند توجيه الاتهام، فيتوهمون إزالة الخطر المحتمل في أن يتحولوا أنفسهم إلى ضحايا، وعلى الضفة الأخرى نجد من الناس من يتشكك في أية نتائج، ويضع دائما احتمالات حدوث الذي لا يحدث عادة، وبالتالي فهم يميلون إلى تبرئة الذي في القفص بحثا عن آخر محتمل على الشجرة، ومن الصعب إقناع هؤلاء، أو اؤلئك بخطأ استنتاجاتهم الاستباقية. وبقدر جرأة عامة الناس على القول بالإدانة أو التبرئة، يصور لي قريب أحد القضاة السابقين معاناة قريبه عشية الليلة التي سيصدر فيها حكما بالإعدام على أحد من الناس، فرغم قناعته بالأدلة، ويقينه بارتكابه الجرم، وأن حكمه سيكون تنفيذا لأمر الله، وتحقيقا للعدالة، وأن في القصاص حياة، إلا أنه يظل ساهدا طوال ليله قلقا؛ تعظيما لشأن النفس الإنسانية، ولربما هذه الحالة يعيشها كل القضاة، أو جلهم. ومهما يكن الأمر فإن محاكمة المتهمَيْن لم تصل إلى نهايتها بعد، فثمة مرحلة لاستمرار التقاضي عبر الاستئناف، والكل لديه الثقة بعدالة القضاء المصري، ونزاهته، واستقلاليته، ويحتم الواجب الأخلاقي تجاه روح الضحية، وتجاه حقوق المتهمَيْن، بل وتجاه العدالة، عدم استباق كلمة القضاء الأخيرة.

[email protected]