الصراع على السلطة في إيران

TT

في الوقت الذي يبدو فيه أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تتخذ منحى أفضل نتيجة لمقترح قدمه الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيرا بخصوص إيران، يظهر عائق جديد، حيث ألقي القبض على روكسانا صابري، 31 عاما، الصحافية الحرة التي تحمل الجنسيتين الإيرانية والأميركية، في طهران وجرت محاكمتها خلف أبواب مغلقة وأدينت بتهمة التخابر لصالح الولايات المتحدة. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: ما السبب الجوهري وراء هذا التحول في مسار الأحداث؟ الواضح أن الأمر برمته يتعلق بالصراع على السلطة في طهران، ولكن على خلاف ما حدث في الماضي، يدور الصراع الراهن بين فصائل متنوعة داخل المعسكر المحافظ، وليس بين الإصلاحيين والمتشددين.

ويعلم كل من له دراية بهيكل السلطة في إيران أن المحافظين الذين يتمتعون بمقاليد السلطة يعانون من انقسامات حادة في صفوفهم ويجابهون مشكلات عميقة. ومن ناحيتها، أثبتت إدارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عجزها عن تناول المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الإيرانية الهائلة، وتواجه الآن معارضة داخلية وخارجية. وداخليا، ربما يحظى الإصلاحيون الآن بأفضل فرصة منذ سنوات لطرح المحافظين خارج السلطة التنفيذية. وخارجيا، أسفرت خطابات أحمدي نجاد عن فرض العزلة على إيران، الأمر الذي أطلق صراعا محتدما حول السلطة خلف الكواليس بين المحافظين البرجماتيين والمتشددين. ورغم محاولات المحافظين الدؤوبة لإخفاء خلافاتهم، باتت الانقسامات العميقة في صفوفهم واضحة للعيان.

ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 12 يونيو (حزيران) المقبل. وربما ستشكل هذه الانتخابات الأهم من نوعها منذ الثورة الإيرانية عام 1979 بالنظر إلى أن الخلافات بين الإصلاحيين والمحافظين لم تكن على هذه الدرجة من الوضوح الشديد من قبل. ويشارك المعسكر الإصلاحي في الانتخابات بمرشحين: مير حسين موسوي، وهو رئيس وزراء سابق في الثمانينات يحظى بشعبية كبيرة، ومهدي كروبي، الرئيس السابق للبرلمان الإيراني، والذي نجح في شن حملة انتخابية قوية في انتخابات عام 2005.

وفي المقابل، لم يعلن المحافظون عن مرشحهم لعجزهم حتى الآن عن تحديد من يولونه تأييدهم، ذلك أن العناصر المحافظة البرجماتية والمعتدلة نسبيا لا ترغب في مساندة الرئيس أحمدي نجاد لتولي فترة ثانية. وتأمل، بدلا من ذلك، في طرح مرشح معتدل نسبيا. ويعتقد هذا الفريق أنه في حال عدم إجراء ذلك، سيتمكن أحد المرشحين الإصلاحيين من الوصول إلى الرئاسة، ربما عبر نصر كاسح. كما يرغبون في السعي للتوصل إلى تفاهم مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

وعلى الجانب الآخر، يأمل المتشددون في مساندة أحمدي نجاد وسياساته. ورغم أن أحمدي نجاد نفسه أبدى اهتمامه بالدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، يبدي أبرز أنصاره تشككهم حيال العرض الذي تقدم به الرئيس أوباما ويعارضون التقارب مع واشنطن. ويتضمن أنصار أحمدي نجاد معظم العاملين بجهاز الاستخبارات، وبعضا من القيادات العليا بالحرس الثوري ورجال دين متشددين وأتباعهم، بقيادة آية الله محمد تقي مصباح يزدي، ذي التوجهات شديدة الرجعية والذي يضطلع مريدوه بأدوار مهمة في إدارة نجاد وداخل السلطة القضائية. وجدير بالذكر أن المعسكر المتشدد داخل القضاء هو الذي أدان صابري.

ويشعر المتشددون بأن أي تقارب مع الولايات المتحدة يشكل تهديدا لهم، وذلك لسببين: أولهما: أن أي تحسن في العلاقات بين الدولتين من شأنه تعزيز مكانة الإصلاحيين والجماعات المناصرة للديمقراطية في إيران، مع تضاؤل خطر تعرض البلاد لهجمات عسكرية أميركية. وفي هذه الحالة، لن يصبح ممكنا اتهام الإصلاحيين بالعمل ضد المصالح القومية الإيرانية من خلال الدعوة للتوصل إلى تفاهم مع واشنطن.

وفي الوقت ذاته، يدرك المتشددون جيدا تدني مستوى شعبيتهم ويشعرون بخوف بالغ إزاء إمكانية وقوع «ثورة مخملية». وعليه، استحوذت عليهم الرغبة في منع الاتصال بين أبناء الشعبين الإيراني والأميركي، الأمر الذي سيحدث إذا ما تحسنت العلاقات بين البلدين. وينبغي النظر إلى إلقاء القبض على صابري في هذا الإطار. ثانيا: سيترتب على تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة بالضرورة رفع، على الأقل، بعض العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن وحلفاؤها على طهران. ويهدد ذلك النفوذ الاقتصادي الهائل الذي يتمتع به المتشددون، والذين يسيطرون على قطاع كبير من الاقتصاد الإيراني الرسمي والسري.

ومنذ بضع سنوات، كشف كروبي أن المتشددين يسيطرون على 63 ميناء خارج نطاق السيطرة الحكومية. ويستغلون هذه الموانئ في استيراد مواد وسلع رخيصة متدنية الجودة من الصين والدول شرق ـ الآسيوية الأخرى، ما يسبب ضررا فادحا للإنتاج الصناعي الإيراني، ويكسبهم في الوقت ذاته ثروات طائلة. وحال رفع العقوبات وظهر مجتمع أكثر انفتاحا، سيخسر المتشددون الكثير من نفوذهم الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، ستزيد على نحو بالغ احتمالات ظهور صحافة تتمتع بمقدار أكبر من الحرية وتسلط الضوء على عمق هذا الفساد، الأمر الذي سيفقدهم نفوذهم السياسي. ولذلك، يحاول المتشددون اختلاق أزمة جديدة مع الولايات المتحدة بهدف الحيلولة دون حدوث أي تقارب، إضافة إلى تشتيت الانتباه بعيدا عن صراعاتهم الداخلية.

وعليه، نجد أن صابري لا تعدو كونها ضحية للصراع بين المحافظين المتشددين والبرجماتيين. وعلى ما يبدو، فإن الاتهامات الموجهة إليها ملفقة. وفي الواقع، أشارت صحيفة «روز» الإلكترونية الإيرانية الشهيرة إلى أنه تم إخبار صابري أنه إذا «اعترفت» و«حددت أسماء»، سيتم إطلاق سراحها والسماح لها بمغادرة إيران. والمعتقد أن الأسماء المطلوب من صابري ذكرها تخص معارضين بارزين للمتشددين. وتكشف أزمة صابري أهمية حدوث أي مستوى من التحسن في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، ذلك أن مثل هذا التحسن سيثمر نهاية الأمر مزيدا من الانفتاح والديمقراطية داخل إيران، حيث يصبح لحكم القانون الكلمة العليا وتتوقف انتهاكات حقوق الإنسان التي شاعت في ظل رئاسة أحمدي نجاد. وسيكون لذلك بالتأكيد مردود عظيم على السلام في الشرق الأوسط.

* أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية

* خدمة «نيويورك تايمز»