جدة «خير»؟!

TT

هناك مدن تموت وأخرى تحتضر وهناك من المدن من تبعث من جديد. والأمثلة كثيرة المؤيدة لكل ذلك. حول العالم راقب الناس بإعجاب تجارب «إنقاذ» مدن لاغوس بنيجيريا وكلكتا بالهند والإسكندرية بمصر والثلاث كانت نتاج جهود شخصية فذة من قبل عمدة المدينة وأسلوب إداري جديد شاركت القطاعات المختلفة في أهدافه واستمع لشكوى المواطن فتحقق النجاح الكبير. وهذه الثلاث مدن كانت مضربا للأمثال في سوء التخطيط وتدهور البني التحتية بشكل مخيف. وهناك مدن لحقت بها في هذا التصنيف البائس الحزين وهي عروس البحر الأحمر وبوابة الحرمين الشريفين: جدة. لقد تدهور الحال بجدة ووصل إلى مراحل خطيرة حتى صنفتها منظمة بيئية عالمية بأنها أكثر مدينة ملوثة في العالم (والسبب الأول يعود لمأساة الصرف الصحي بجدة). منذ أيام قدمت أمانة مدنية جدة عرضا مبهرا للخطة التنموية المقترحة للمدينة لمدة العشرين عاما القادمة، ولقد قدمت أكثر من سابقة جديدة في هذا العرض. فأساسا العرض سمي «مسودة» أي أنه ليس بالنسخة النهائية لأن الأسئلة والتعليقات والاقتراحات البناءة التي ستتلقاها الأمانة من عامة سكان جدة ستضاف للمسودة لتصبح جاهزة في صورتها النهائية سواء عن طريق الاقتراح المكتوب أو المشاركة في أي عدد من اللجان الممكنة. إنه طرح جريء وعملي لفكرة الشراكة Partnership بين المواطن والأمانة، وكذلك قدمت الأمانة نموذجا جيدا لفكرة Empowerment التمكين بإعطاء المواطن فرصة المشاركة بالرأي والعمل ليكون لديه فرصة تحقيق تملك القرار ومسؤوليته Ownership وهي أبجديات أساسية للإدارة العصرية.

وخرجت الأمانة من نمط التفكير بالأسلوب التقليدي بتقديم احتياجاتها وخططها، بل حصلت على مرسوم ملكي تم فيه استحداث شركة للتطوير في شراكة فعلية غير مسبوقة بين القطاع الخاص والعام لتكون هذه الشركة الأداة الفعلية لتنفيذ الطموح الهائل الذي عرضته الأمانة في خطتها التي اشتملت على سلسلة هائلة من التطويرات العمرانية والخدمية لتتضمن المباني والطرق والكورنيش والكباري وتصريف الأمطار والمناطق العشوائية ومتنزهات ومساحات خضراء غير مسبوقة. أمين جدة الحالي المهندس عادل فقيه يأتي من مجال الأعمال وقد قاد أكبر شركة غذائية في العالم العربي وحقق معها نجاحات غير مسبوقة وبالتالي سجل إنجازاته يتحدث عن نفسه، وسلم «مهمة مستحيلة» وهي إدارة أمانة جدة وهو اليوم يلقى دعما هائلا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عبر تمويل قياسي وغير مسبوق لكل المشاريع المطلوبة حتى تحولت جدة إلى ورشة عمل كاملة بعد سكون أشبه بالموت لسنوات طويلة. المهم أن اليوم توجد فرصة هائلة لإعادة البسمة لمدينة مهمة في بلد عظيم ولكن هذا لن يتأتى إلا بتضافر جهود الجميع وإحسان ظن حقيقي فيما طرح والبعد عن سياسة التشكيك والتحطيم. سكان جدة أصيبوا باليأس من كثرة ما شاهدوا مدينتهم تحتضر ولكنهم شاركوا هم في مسؤولية ما حدث بسلبية تعاطيهم مع ما تم في مدينتهم. أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل كان حاضرا وداعما وبقوة للعرض المقدم وأعلن لأمين مدينة جدة أنك «مدد لك 4 سنوات وسنحاسبك حين انتهائها» وهو تصريح «جديد» يضاف لتصريحات الأمير خالد الفيصل منذ تسلمه إمارة مكة المكرمة، وكل الأمل أن يشمل مبدأ المحاسبة كل الإدارات وليس أمانة جدة وحدها بطبيعة الحال لأن هذا مطلوب، وأن تكون المحاسبة بأثر رجعي حتى تتحقق المحاسبة السوية والعدالة المنشودة. وطبعا هذا يشمل جريمة الصرف الصحي في جدة.

ما قدم من قبل أمانة جدة يستحق التحية ولكن الأهم أنه يستحق أن يحقق، وهذا لن يحدث إلا بإدراك أن هذه أمانة ومسؤولية جماعية ومشتركة، والكل يخسر في حالة فشلها والكل يكسب في حال نجاحها.