أوباما في دور القائد العسكري

TT

لا يوجد رئيس جديد يجد أن كل أوجه منصبه تناسبه في وقت واحد، فبالتأكيد تبدو بعض الواجبات والمسؤوليات مريحة أكثر من غيرها. وما شهدناه على مدار الأسابيع القليلة الماضية أن باراك أوباما يحاول جعل نفسه ملائما لدور القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وتتمثل أكثر القرارات المثيرة للجدل خلال هذه الفترة على سبيل المثال في توسيع التزام القوات واستبدال قائد القوات في أفغانستان، ومعارضة نشر الصور المتعلقة بانتهاكات المعتقلين، والإبقاء على نظام اللجان العسكرية، وتأجيل أي تغيير في سياسة «لا تسأل، ولا تخبر» المتعلقة بالشواذ.

وفي كل مثال من هذا، التفت أوباما إلى المشورة التي قدمها إليه قادته المدنيون والعسكريون، وفي كل حالة من تلك الحالات عدا أفغانستان تنازل أوباما عن الموقف الذي كان عليه خلال الفترة التي كان فيها المرشح الديمقراطي لتولي الرئاسة.

وتمثلت النتيجة المتوقعة لهذا في الاحتجاج الأول المتواصل من جانب اليسار، واحتجاجات الغضب من قبل قادة الدوائر الانتخابية ممن كانوا من المؤيدين والمناصرين الأوائل. وجميعهم يشعرون أنه تم التغرير بهم وهم يشاهدونه وهو مستمر في سيره على نهج سياسات وممارسات سلفه الجمهوري، باستثناء القليل من التعديلات التي طرأت على سياسته.

ولا تزال الخسارة السياسية غير باهظة حتى الآن، إلا أن من يتذكرون ليندون جونسون وجيمي كارتر يعلمون أنه بمرور الوقت قد يكون من الخطير للغاية على رئيس ديمقراطي أن يخسر دعم الناشطين الليبراليين.

وأيا كانت المخاطر، بات واضحا أن الرئيس أوباما شرع في اتخاذ مواقف وأولويات القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أن احتمالية ارتداده عن ذلك أضحت بعيدة الاحتمال. وعندما سأله جون ميتشام ـ محرر نيوزويك ـ الأسبوع الماضي عن ما هو أصعب شيء اضطر إلى أن يقوم به حتى الآن، أجابه أوباما: «إصدار أوامر بتوجيه 17000 من القوات إلى أفغانستان. ويكون هناك قدر كبير من التريث مع قرار من هذا القبيل، لأنك يجب أن تتوقع أن بعض هؤلاء الشباب من الرجال والنساء سيتعرضون للأذى في ميدان الحرب».

ومن الضروري أن يكون هناك قدر من التكيف لكل رئيس تقريبا، وذلك على أساس أن بإمكان قدر ضئيل من الخبرات والتجارب أن يعدهم فعليا للتحديات التي وصفها أوباما إلى ميتشام. وقد مر الرئيس جورج بوش بهذه التجربة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، واضعا بذلك أجندته الداخلية في مرتبة أدنى للتركيز على التهديد الإرهابي، ولم يغير موقفه هذا أبدا.

إلا أن هذه الخطوة تبدو صعبة للغاية أمام الرؤساء الديمقراطيين هذه الأيام مقارنة بأسلافهم، أو المعاصرين حاليا من الجمهوريين.

وحتى قبل فيتنام، تمثلت الأيديولوجية المهيمنة لقاعدة النشطاء الديمقراطيين في معاداة الأعمال العسكرية الأميركية والنزوع إلى الشك في الجيش ذاته. واشتهرت ولاية إيووا ـ التي بدأت منها عملية ترشيح الحزب الديمقراطي ـ بوجهة نظرها السلمية المناهضة لحمل السلاح من أجل الحرب. وعبر الانتخابات الأولية، أدت الضغوط إلى دفع المرشحين ممن لا يعارضون هذه النزعة أو الميل.

وهذا ما حدث فعليا في العام السابق، عندما تعثر أفضل منافسي أوباما ـ مثل هيلاري كلينتون، وجو بايدن، وكريس دود ـ بسبب تصويتهم للتفويض باستخدام بوش للقوة بالعراق.

ويرجع السبب الثاني وراء معاناة الديمقراطيين في موضع القائد الأعلى للقوات المسلحة في أن لديهم الكثير من الأشياء التي يبتغون تحقيقها داخليا مقارنة بالجمهوريين. إلا أن المال والوقت دوما لا يسعفونهم. فكلما كانت الأجندة الداخلية أكبر، كانت هناك معارضة أكبر للانحراف وراء المغامرات العسكرية. وأوباما شأنه شأن كل أسلافه الديمقراطيين، أرسى أهدافا كبرى. ويجب أن تبدو أفغانستان على أنها شيء يثير الحيرة والارتباك بالنسبة له.

أما السبب الثالث فيتمثل في أن ديمقراطيي هذه الأيام معزولون فعليا عن الجيش. فقد كان هاري ترومان نقيبا بالمدفعية، فيما كان كل من جون كينيدي وكارتر ضابطين بالبحرية. أما بيل كلينتون فقد بذل قصارى جهده لتفادي التجنيد الإجباري، كما كان أوباما شديد التحفز كونه في الخدمة العامة، ولم يلق بالا بالتطوع في الجيش.

ومع ذلك، قادت الظروف أوباما إلى أن يصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة تخوض حربين. وبقصد أو لا، أعد نفسه للتحول عن هذا باختياره لرفاقه. فقد اختار جو بايدن نائبا له، الذي زار جبهات القتال تكرارا بصفته رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. واختار هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، التي غمرت نفسها في القضايا الدفاعية بصفتها عضوا في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ. وأبقى على بوب غيتس وزيرا للدفاع الذي أدار الحرب لسلفه بوش. والأكثر دهشة مستشار الأمن القومي الذي اختاره، فلم يختر واحدا آخر من الأكاديميين ممن شغلوا هذا المنصب على نحو معتاد، بل اختار جنرال المارينز المتقاعد الصارم جيمس لونز.

وهؤلاء هم الأشخاص الذين التفت أوباما إلى نصائحهم ومشوراتهم على مدار الأسابيع الأخيرة، وليس المساعدين السياسيين الذين وجهوه خلال الحملة الانتخابية وفي البيت الأبيض.

إن نقاد أوباما من الليبراليين على صواب، فهو رجل مختلف الآن. وقد تعلم ما الذي يعنيه أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»