المنطقة المعادية

TT

قضيتُ مؤخرا، مع 30 خريجا من جامعة كولومبيا، يومين طويلين في اجتماعات مع مسؤولين بارزين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي (الأميركي)، داخل الكونغرس، مع أعضاء في جماعات الضغط، ومستشارين واقتصاديين وصحافيين ذوي خبرة من واشنطن. ربما توقع معظمنا أن ينهي ذلك وهو يتساءل عما إذا كانت إدارة أوباما قد عثرت على استراتيجية، يمكنها من خلالها تحقيق الانتصار للتعامل مع المشاكل الكبرى، مثل إيران وكوريا الشمالية، في معرض مراجعتها للسياسة الخارجية الأميركية. وفي النهاية، كان ما خلصت إليه مختلفا، فما يحتاج إليه الرئيس وفريق عمله هو استراتيجية للتعامل مع الكونغرس.

كانت رحلتنا الميدانية بعد ثلاثة أيام من إعلان الرئيس أوباما عن تعديل السياسة الخاصة بكوبا. ولم يكن مفاجئا أن تساءل أصدقائي عن السبب وراء محدودية التغيرات، ولاسيما على ضوء أن الإدارة تعتقد أن الحصار الأميركي كان «فشلا مطلقا على مدى عدة عقود»، كما يقال لنا دوما. وسمعنا أن أي شيء بعيد المنال يحتاج إلى أن يقوم الكونغرس بإجراء قانوني.

أعلن أوباما في براغ تصوره عن عالم دون أسلحة نووية. وكخطوة أولى مهمة، قال إنه سوف يسعى «حالا وبحماس» من أجل الحصول على تصديق لمعاهدة حظر التجارب النووية، لدعم مصداقية أميركا في السعي لمنع الدول الأخرى من أن تصبح دولا نووية. ولكن، في الكونغرس سمعنا أن الأصوات ليست مع التصديق على هذا، لدرجة أن أعضاء مجلس الشيوخ البارزين الذين صوتوا ضد المعاهدة قبل عشرة أعوام من الممكن أن يكونوا أكثر ارتيابا في الوقت الحالي. وبعد الضغط عليهم في هذا الموضوع، قال مسؤولون في الإدارة إن الإجراء «الفوري» و«الحماسي» لا يعني فعلا أنه سيحدث «حالا»، ليس خلال العام الحالي، وربما لا يكون في النصف الأول من العام المقبل.

ربما تكون سياسة أوباما قد أثارت المزيد من الحماس في الخارج أكثر من استعداد الإدارة للتفاوض على اتفاقية ملزمة بخصوص التغير المناخي. وتم تذكير طلابي بأن الكونغرس ينوي أن يحدد المعايير الجديدة التي سوف تقيد الانبعاثات، والرغبة في الحفاظ على رقابة الكونغرس بصورة تتجاوز الاتجاهات الحزبية. وخلال الشهر الماضي، صوّت نحو نصف أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ليمنحوا زملاءهم الجمهوريين صوتا أقوى في العملية، حيث وافقوا على وجوب الحصول على أغلبية كبيرة بـ60 صوتا على التشريع الخاص بالمناخ.

ويمكن أن تتسع قائمة القضايا التي تجعل الرئيس في مواجهة مع الكونغرس. فعندما كان في أوروبا، وعد أوباما الرئيس ديمتري مدفيديف أن «يخرج» روسيا من قيود تعديل جاكسون - فانيك: قانون الحرب الباردة الذي ربط العلاقات التجارية بهجرة حرة من الاتحاد السوفياتي.

وعلى الرغم من أن الهجرة لم تكن مقيدة لأعوام، يعتقد الكثيرون من أعضاء مجلس الشيوخ أن تعديل جاكسون - فانيك يجب أن يبقى قائما، إلى أن تحصل الولايات المتحدة على شيء في المقابل، ربما امتيازات تجارية، أو حقوق إنسان.

وربما تواجه الميزانية التي قدمها وزير الدفاع روبرت غيتس مشكلة مماثلة. سمع طلابي مسؤولا بارزا من الإدارة السابقة يثني على غيتس، لأنه حاول أن يركز البنتاغون على عمليات مكافحة التمرد الجارية، وأن يبعده عن مخاطرة أصغر، تتمثل في حرب مع قوة كبرى أخرى. ولكن، من الواضح أن رؤساء لجان الكونغرس أقل سرورا بهذا التغيير. كانت الاستراتيجية القديمة تستهدف إنفاق المزيد على نظم الأسلحة الكبرى، وخلق المزيد من الوظائف في المناطق التي توجد فيها. ويفهم استراتيجيو الإدارة كل ذلك، ويعتقدون أنه بمجرد البدء في توضيح ما يرونه، قضية تلو الأخرى، فإنهم سوف يحظون بالمزيد من الدعم. وبالتأكيد سوف يقومون بذلك. ولكن، على الرغم من الأغلبية الديمقراطية في كلتا غرفتي البرلمان، فإن كل قضية يسعى أوباما من خلالها إلى تغيير السياسات المنصوص عليها منذ فترة طويلة، سوف تتحول إلى معركة ضارية. والواقع أن ما يحتاجه الرئيس هو قدر أكبر من الدعم من جانب أعضاء الحزب الديمقراطي داخل الولايات الصناعية. وبالنسبة للاختبارات النووية، فلن يكون كافيا، حتى لو حصل على دعم ديمقراطي بالإجماع.

ويتطلب التصديق على المعاهدة أغلبية الثلثين، ولن تمضي معاهدة الحظر الشامل للاختبارات النووية إلى أي اتجاه، دون أن يدعمها أعضاء مجلس الشيوخ البارزون عن الحزب الجمهوري. كما أن مهمة الإدارة أكثر تعقيدا، بسبب حقيقة أنه بعد الدعوة إلى التغيير في الكثير من القضايا، لا يمكن للإدارة أن تعامل كافة القضايا على أنها قضايا ملحة. ويعلم المسؤولون التابعون لأوباما، وصناع الصفقات ذوو الخبرة، أنهم سوف يضطرون إلى اللجوء إلى عملية تقديم تنازلات متبادلة، وهو ما يحكم العمل اليومي داخل الكونغرس. ربما بدأوا في التساؤل حول ما إذا كان مع الميزانية الفيدرالية الكبرى، هل ستوجد خدمات كافية لتوزيعها على جميع الأصوات التي يسعون إلى شرائها، أم لا؟.

ولكن إذا انتهى الأمر في إدارة أوباما بالاعتماد على استراتيجية إعطاء القليل هنا، والحصول على القليل هناك لتمرير سياساتها الخارجية عبر الكونغرس، فإنها ربما تفشل. الرؤساء الجدد الذين يريدون أن يروجوا لتغييرات كبرى، عادة ما يخلصون إلى أنهم في حاجة إلى المزيد من السلطة، كي يؤتي ذلك ثمرته. ويَتَحَدُّون الكونغرس، لتحدِّيه إياهم، عن طريق التعامل معه كمؤسسة لا تتماشى مع الواقع، بطيئة في وسائلها، ولم تتكيف بصورة جيدة مع الوقائع الجديدة، ومتأثرة بصورة جلية بالمصالح الضيقة.

وثمة إشارة ليست لطيفة جدا إلى هذا المنحى في اقتراح الإدارة بأنه إذا لم يتمكن الكونغرس من الوصول إلى إجماع على سياسة مناخية سلمية، فإنها سوف تمارس سلطتها الرقابية لتحقيق نفس النتيجة. وليس من الصعب تخيل منحى أكثر عدائية بخصوص قضايا أخرى، ولاسيما الإنفاق على الشؤون الدفاعية. (تذكر أن ريتشارد نيكسون وصف تحديه لعملية الميزانية داخل الكونغرس بأنه «مصادرة»، وربما تحتاج إدارة أوباما إلى لفظة أجدد).

وسيكون من المثير للسخرية أن يخلص باراك أوباما، الذي خلف رئيسا سخر أوباما منه، لاستخدامه التعسفي للسلطة التنفيذية، إلا أنه لا يمكنه إعادة توجيه السياسة الخارجية بالطرق التي يريدها، دون حيازته سلطة لا تعاني من معوقات كبيرة. ولكن، غالبا ما يحمل الإذعان للكونغرس ثمنا باهظا. وإذا كان الرئيس يريد حقا سياسة خارجية جديدة، فإنه لن يحتاج إلى دفع ذلك.

*زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، وأستاذ الدبلوماسية الدولية في جامعة كولومبيا. عمل سفيرا متجولا في الاتحاد السوفياتي السابق في الفترة من 1997 حتى 2001.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ («الشرق الأوسط»)