لو أن قاتل سوزان طليق!

TT

لو افترضنا جدلا أن مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم قيّد ضد مجهول، وأن كاميرات مدينة دبي أصيبت بالعمى، فلم تصور تحركات الجاني ومساراته، ولو أن ذاكرة حواسيب المدينة لم ترصد مشترياته وبطاقته الائتمانية، وباختصار لو أن الجاني لم ينكشف أمره، وفلت من العقوبة، واستحق المبلغ المالي الذي وعد به، ترى كيف كانت ستمضي حياته على المستوى النفسي؟

يفترض أن القاتل غالباً ما تطارده روح ضحيته، وأن نومه يغدو مسكونا بالكوابيس، والاضطراب، والفواجع، فجثة القتيل تظل ـ في الغالب ـ تربك وتقلق قاتلها، وقد تدفعه إلى الجنون، والتحول إلى محترف إجرام لا يقف عند تخوم جريمته الأولى، بل يتجاوزها إلى غيرها من الجرائم. وبعبارة أخرى إن كان اكتشاف الجاني يؤدي إلى عقوبته، فإن العقوبة مهما بلغت قسوتها أرحم بكثير من العذابات اليومية التي يعيشها الجاني الذي لم تكتشف جريمته، وحتى لو كانت العقوبة هي الإعدام، فذلك سيكون لمرة واحدة، بينما المجرم الطليق يعدم في اليوم الواحد ألف مرة، وأذكر قصة لقاتل فلت من العقوبة سنوات طويلة، وتورط بعد ذلك في جرم بسيط أدى إلى سجنه، فكان يتنبه مذعورا من نومه ليلا، وهو يقبض على رقبته في حركات هيستيرية، ويهذي بكلمات ترتبط بجريمة القتل التي ارتكبها، وحينما أبلغ زملاؤه مسؤولي السجن عن معاناتهم معه ليلا، انهار السجين، وراح يعترف بجريمته، وفي الليلة الأولى بعد الاعتراف نام الرجل نوماً عميقاً، كما لم ينم من قبل.

وهذا الإحساس لا يقتصر على الجرائم العادية، وإنما يمتد أيضا إلى جرائم القتل، التي يرتكبها رجال الأنظمة الاستبدادية، وحلل مسؤول سابق في أحد تلك الأنظمة إشكالية الجثة الأولى بالقول: «الإزعاج يأتيك فقط من القتيل الأول، فالجثة الأولى مقلقة ومربكة، بعدها عليك أن تقرر إما الخروج من اللعبة وإما الاستمرار فيها، والخروج يعني التقاعد والظل، والاستمرار يعني الحضور والمخاطرة بأن تكون أنت أيضا مشروع جثة».

وهذا يعني أن قاتل سوزان تميم لو أفلت من العقوبة ما كان ليهنأ قط بحياته، ولا ينعم بما اكتسبه من أموال، وكانت ستطارده صورة سوزان ـ التي تركها خلفه في الشقة مضرجة بدمائها ـ إلى كل مكان يذهب إليه من هذا العالم، مهما نأت به المسافات عن مسرح الجريمة.

ولو علم القاتل قبل ارتكاب جريمته رعب الدوامة التي ستهب على حياته، والنفق المظلم الذي سيلف روحه، لتمنى لخصمه ألفَ حياة وحياة.

[email protected]