إلى أين تفضي «وسائل الاستجواب التعسفية»؟

TT

تفضي الطرق المتعددة للتحقيق في «وسائل الاستجواب» التعسفية التي اتبعتها إدارة الرئيس بوش إلى حقيقة مزعجة يصعب تجاهلها، وهي أن التعذيب ليس مجرد عمل غير أخلاقي، ولكنه سلوك غير قانوني. ويعني ذلك أنه بمجرد أن نعلم الحقيقة كاملة، فإن القانون يلزمنا بالعمل على أساسها.

وبخصوص المسألة الأخلاقية، فقد كانت الإدارة واضحة المعالم، قويمة السلوك، فمن الإجراءات الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما.. إعلانه أن الولايات المتحدة لن تستخدم الإيهام بالغرق، أو أي من وسائل الاستجواب التعسفية الأخرى، مشيرا إلى أن هذه الأفعال تضر بقيم بلادنا وبتقاليدها. وقال وزير العدل إريك هولدر، خلال جلسات التصديق على ترشيحه، إن «الإيهام بالغرق وسيلة للتعذيب». ويظهر هذا القدر من الوضوح المثير للإعجاب متناقضا بصورة جلية مع ضبابية السفسطة القانونية التي دثرت بها إدارة بوش سجونها السرية.

بيد أنه فيما يتعلق بالمسألة القانونية، فقد كان فريق أوباما أقل دقة. وفيما يلي ما قاله دينيس بلير، مدير الاستخبارات القومية، لطاقم عمله بشأن انتهاكات الاستجواب في مذكرة «أعتقد أنني ما كنت لأوافق على هذه الوسائل في الماضي، ولكني لا أخطّئ هؤلاء الذين اتخذوا هذه القرارات في ذلك الوقت، وسأدافع دوما عن هؤلاء الذين يجرون التحقيقات في إطار الأوامر التي تعطى لهم».

والحق، فإن هذا الكلام غير معقول، فإذا كان بلير لن يصدّق على «هذه الوسائل»، التي يتحقق في البعض منها التعريف القانوني لكلمة تعذيب، وهذا ما أرى، فلماذا يغض الطرف عن هؤلاء الذين أمروا بتنفيذ هذه التصرفات التعسفية، وهؤلاء الذين قاموا بتنفيذها؟.

وعلى الأقل، فإن بلير، المكلف بقيادة العملاء الذين مارسوا هذه الممارسات، لديه أسباب تدفعه إلى الدخول في هذا القدر من الغموض فيما يتعلق بقضية المحاسبة. ويمكن أن نشكره على رفضه بصورة حاسمة الحجة، التي دائما ما تساق لتبرير التعذيب، وهي أن الإيهام بالغرق والحرمان من النوم وأوضاع الضغط، وغيرها من الممارسات التعسفية كانت ضرورية للحصول على معلومات هامة للحفاظ على الأميركيين آمنين من هجمات «القاعدة».

وحتى لو كان لدى الخبراء وجهات نظر مختلفة بشأن فاعلية التعذيب، فثمة نقطة واحدة لا يمكن أن يختلفوا عليها، وهي أنه يمثل انتهاكا للقانون الدولي، ولقانون الولايات المتحدة. ما هي التصرفات التعسفية التي ترتقي إلى التعذيب من الناحية القانونية؟. يعتمد ذلك على أيٍّ من المعايير القانونية العديدة، الممكن تطبيقها، سوف يستخدم. ولكن، يبدو لي أنه من المؤكد تقريبا أن الإيهام بالغرق سوف يعتبر غير قانونيا، إذا ما وضع تحت تحقيق قضائي. وعلى الأقل، فإنه ينظر إلى هذه الممارسة على أنها تعذيب منذ محاكم التفتيش الإسبانية، ما عدا، فيما يبدو، داخل مكتب المستشار القانوني لوزارة العدل في رئاسة بوش.

ومن وجهة نظر إدارة أوباما، ربما تكون البدائل غير جذابة، أو حتى غير مقبولة.. فلا أحد يريد أن يرى محققين في مستويات دنيا يطرحون جانبا لتنفيذهم ما قال لهم رؤساؤهم إنه قانوني، لا سيما إذا لم تتم محاسبة هؤلاء الرؤساء، ولكن السعي وراء تهم جنائية ضد مسؤولين كبار في الإدارة السابقة سيكون أمرا غير مسبوق، ومن غير الواضح ما يمكن أن تفضي إليه هذه العملية، غير أنه سيكون من الصعب إيقاف هذا القطار، فحكم القانون من المبادئ الأساسية لهذه البلاد. إنه ليس أمرا اختياريا، فقوانيننا المناهضة للتعذيب يجب أن تتبع، وأن تطبق.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ («الشرق الأوسط»)