أميركا سبتمبر الأخضر بعد الأغبر؟

TT

ما دام الهدف من الزيارة إلى مصر التي قرر الرئيس باراك أوباما القيام بها هو تبييض الصفحة الأميركية الملأى بالتشوهات في صياغة النظرة للإسلام كدين والعرب كافة، فإن مخاطبة الأمتين من إحدى قاعات مركز المؤتمرات في الجامع الأزهر تبدو الخيار الأفضل.

زيارة الرئيس أوباما إلى القاهرة ستكون للتحادث مع الرئيس حسني مبارك ومناسبة لتعزية الرئيس المصري المحزون بفقدان صاعق لحفيده الأول (الذي يحمل اسمه محمد علاء)، ومن أجل ذلك أرجأ زيارة إلى واشنطن. كما أن قدوم الرئيس أوباما الى مصر يوجِّه منها رسالته إلى العرب المسلمين بعدما كان وجه رسالته إلى المسلمين غير العرب من تركيا، يتم بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي حسم التريث والتعثر في الحوار مع «حماس» وأنجز تعديلا وزاريا لحكومة سلام فياض كأنه تشكيل جديد ومِن قبْلها زيارة الملك عبد الله الثاني، وكذلك على خلفية اللقاء الذي تم في لندن على هامش قمة العشرين بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس أوباما، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية محيطة وبوضوح تام بالمطالب العربية.

وإذا كان الرئيس أوباما لم يفصح تماما عما طلبه من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عندما التقى به يوم الاثنين 18-5-2009 في الزيارة الأولى لهذا الأخير إلى أميركا في عهد الرئيس أوباما، فهذا لا يعني أنه لم يضع أمامه الكثير من النقاط على الحروف وإبلاغه أن موقفه من موقف الرأي العام الأميركي وهو موقف يؤكد أن المواطن الأميركي لن يرتضي بعد الأزمة الخانقة التي تواجه البلاد دفْع دولار واحد من أموال الضرائب لتمويل مغامرات إسرائيل العدوانية. ومن دون الخيرات الأميركية المادية (مالا وسلاحا) والمعنوية (مواقف سياسية وفيتوات فيتو تلو الآخر) كيف كانت ستصمد إسرائيل؟!

وفي تقديرنا أن الرئيس أوباما هو من تمنى على الملك عبد الله الثاني رفْد الموقف العربي الداعي إلى التسوية العادلة والموضوعية والمقبولة فلسطينيا على علاّتها بدعم إسلامي، وأنه بذلك يجد نفسه أكثر استعدادا لطرْح ما هو أكثر من مبادرة لإنجاز التسوية. وعندما يغتنم ملك الأردن مناسبة افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط في منطقة البحر الميت يوم الجمعة 15-5-2009 ويقول أمام أكثر من 1300 شخصية سياسية ورجال أعمال وممثلين عن المجتمع المدني من أكثر من ثمانين دولة «إن المبادرة العربية للسلام توفر فرصة تاريخية لإيجاد مستقبل أفضل للشرق الأوسط»، ثم يقترح توسيعها لكي تشمل العالم الإسلامي بالكامل، فإن ملك الأردن بذلك يبعث برسالة إلى أهل الحكم الإيراني بالذات، لأن لا مشكلة مع تركيا وإندونيسيا وباكستان، مفادها أن الإدارة الأميركية سترى في انتساب الجمهورية الإسلامية في إيران إلى المبادرة العربية مدخلا للتشاور في أمور كثيرة تؤدي إلى إسكات أصوات المواجهة وثنيْ إسرائيل عن حديث المواجهة المحتملة ورسْم السيناريوهات لها.

وفي أي حال إن فكرة الملك عملية وتذكِرنا بأفكار من هذا القبيل طالما طرَحَها والده الراحل الملك حسين وبقيت أفكارا إيجابية على رغم عدم نيْل فرصتها من الموافقة.

وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس أوباما في ضوء اجتماعاته مع بعض قادة المنطقة وبعدما كان أمضى المائة يوم الأولى التي هي فترة الاختبار، ربما يخطط من أجل أن تكون الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل دورة استثنائية، أو إذا جازت التسمية «دورة السلام العالمي» يشارك فيها الجميع وبالذات الكبار على مستوى القمة ومعهم أصحاب القضايا العالقة ويتم خلالها إعلان التسوية والتصويت عليها لأن الرئيس أوباما على درجة من الحصافة تجعله يرى أن التسوية لكي تنجح فبمشاركة الجميع وليس على الإطلاق باحتكار أميركي للحل كما سبق وحدث مع مصر فانقسم العالم إزاء ذلك ضيقا بهذا الاحتكار وحسدا من هذا الجشع الأميركي. وليس أفضل من الجمعية العامة للأمم المتحدة وخلال الدورة السنوية العادية كمناسبة ومكان لتحقيق الفكرة. وفي سبتمبر 2009 الذي يحتمل أن يكون أخضر زاهيا كما ألوان ورود حديقة صيفية جميلة في حال تَحقَق الأمل المنشود وهو التسوية العادلة ومفعما بالأمل والسلام، ما يعوِض سبتمبر الأغبر عام 2001 الذي كان بداية حقبة الحقد على العرب والكراهية لكل ما هو مسلم.. وشرا على أميركا وعلى المجتمع الدولي عموما.