إشارات غير بريئة

TT

أخطر من القتل والتدمير والتفجير وسفك الدماء هي الأفكار «الشيطانية» الشريرة التي تولد الكراهية والحقد وتنمي الريبة والشك من كل ما هو مخالف. ولا فرق بين مصدر هذه الأفكار سواء أكان قادما من الشرق أم مصدرا من الغرب. الفكر الأصولي اليميني المسيحي المتطرف لا يزال بخير. والفكر الصهيوني العنيف لا يزال بخير. وهما سيزدادان شراسة وضراوة لإثبات حضورهما على الساحة في ظل وجود إدارة أميركية جديدة ذات توجه مغاير ومنفتح على العالم، وبعيدا تماما عن النهج الذي كان متبعا من خلال حقبة بوش وجماعة المحافظين الجدد التي كانت معه. عادت الأصوات الموتورة والمتشنجة التي تعشق قرع طبول الحرب وإطلاق صيحات الفزع والتخويف والتحذير يقودهم ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق ونيوت جنجريتش المتحدث الأسبق للكونغرس وغيرهما، وعادت الأبواق الموتورة للظهور على الشاشات لتردد أساطير وأكاذيب عن الحرب على الإرهاب، ووسط هذا المناخ المريب تصدر مجلة «هاربرز» الرصينة عددها الأخير وعلى غلافها عنوان دنيء مليء بالإشارات غير البريئة: «عيسى قتل محمد»، والعنوان هو لمقال طويل تضمن أكثر من 40 صفحة يشرح بحسب وصف الكاتب جيف شارليت حملة صليبية لأجل عسكرة مسيحية مركزا في وصفه أن الحرب في العراق هي في واقع الأمر حرب «مسيحية على أعدائها»، وهو يسرد سلسلة من المواقف التبشيرية لرجال دين في الجيش الأميركي وهم يصرون على «ضرورة أن يكون للمسيح موقع في الجيش». ويظهر فصل آخر لرجل دين مسيحي من رجال الجيش الأميركي وهو يصرخ في جنوده «نحن إسرائيل الجديدة» في إشارة حماسية بلغة توراتية قديمة. التطرف ينتشر في جيش الدولة العلمانية الأولى. وليت المسألة توقفت عند هذا الحد ولكن شبكة الانترنت هي الأخرى تحتضن الغث والسمين فيها، ومن ضمن الغث المقيت موقع «مراقبة الجهاد» وهو يرقب «الحركة الجهادية المتوقعة في الداخل الأميركي» ويعتبر أن الدعوة الإسلامية داخل السجون الأميركية هي «الخطر الأكبر الذي يهدد الدستور الأميركي نفسه» لأن هذه الدعوة هي «غطاء للإرهاب الحقيقي» وطبعا الموقع يدعم أكاذيبه بسلسلة لا نهاية لها من المصادر المغلوطة والمكذوبة. وهذا النوع من السموم هو الذي يغذي جرأة ووقاحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان وهما صهيونيان متطرفان بامتياز في رفضهما للانسحاب من الأراضي المغتصبة ووقف الاستيطان الشيطاني ولا تقسيم للقدس. لغة مسمومة وشيطانية لا تكترث بالأنظمة ولا المعاهدات ولا القوانين ولا القرارات الدولية. أوباما سيلقي قريبا خطابا مهما يوجهه للعالم الإسلامي وفي بلاده أصوات وعقول تبث سموما قاتلة لا يمكن الدفاع عنها بحجة حرية الرأي أبدا، فإذا كان نقد اليهود وممارساتهم السياسية أصبحت جرما محرما بحجة معاداة السامية فإن ما يحدث من تفوه دنيء من ساسة وعسكر ومثقفين من خلال منابر جادة ومحترمة لا يقل خطورة ولا جرما ولا ضررا. لا مكان أبدا في عالم ينشد الحوار بين الثقافات ومد الجسور بين الحضارات ويرغب في تواصل الأديان وتكريس الفكر الإنساني المشترك.. لا مكان أبدا لهكذا سموم، وبات من المطلوب جهد «عالمي» حقيقي لوقف ذلك فورا واعتبار ذلك الأمر آفة لا تقل ضررا عن التدخين والمخدرات وثقب الأوزون إلا أنها حتما أشد خطورة.

[email protected]