فقراء.. ونوويون

TT

لم تتعرض معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عاش في ظلها العالم طوال نحو خمسة عقود إلى تهديد مثل الذي تتعرض إليه حاليا بما قد يحولها إلى مجرد معاهدة ورقية ليس لها مصداقية، وذلك مع الاحتمال المتزايد لظهور قوى نووية جديدة وإطلاق سلاح تسلح نووي جديد في أكثر من منطقة في العالم.

وقد ارتكزت هذه المعاهدة في أساسها على وجود 5 قوى نووية رسمية معترف بها في العالم وهي الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن يمنع انتشار هذا السلاح خارجها، بينما كان معروفا أن هناك قوى أخرى في العالم تملك التكنولوجيا وتمتنع عن إنتاجه مثل اليابان وألمانيا مثلا وعدد آخر من الدول الصناعية، بينما تخلت عنه دولة مثل جنوب أفريقيا، وهناك دولة نووية سرية مثل إسرائيل يعرف العالم أنها تملكه بينما لا تعلن ذلك رسميا، كما أن هناك طائفة أخرى من الدول النامية في منتصف الطريق من حيث القدرات التكنولوجية، وتلتزم بالمعاهدة.

وبدأت الخروق في النظام تزداد اتساعا مع التفجيرات النووية الهندية والباكستانية وإعلان البلدين أنهما قوتين نوويتين خارج المعاهدة، وهو أمر تكيف معه العالم وتعايش معه محاولا الحد من أخطاره في منطقة ملتهبة منذ التسعينات، وكان مفهوما أن الخيار النووي الذي اختاره البلدان هو خيار ردع في ضوء مشكلة كشمير والحروب التي خاضها البلدان منذ انفصال باكستان عن الهند بعد الاستقلال.

وفي الألفية الثالثة بدا منحنى الخروق يأخذ اتجاها جديدا أكثر خطرا مع دخول بلدان أصغر السباق ولأسباب أخرى بخلاف الردع، أو وجود تهديد مباشر متمثلا في كوريا الشمالية التي أجرت أمس تفجيرها النووي الثاني وسط موجة إدانات إقليمية في منطقتها ومن المجتمع الدولي، وإيران التي كثر الحديث عن أن برنامجها النووي الذي تقول عنه إنه مدني هو في حقيقة الأمر عسكري، وفي الحالتين فإن الخطر هو إقليمي بالدرجة الأولى لأنه سيدفع قوى أخرى تشعر بالتهديد إلى دخول النادي النووي سواء في جنوب شرق آسيا أو الشرق الأوسط بما ينهي معاهدة منع الانتشار تماما.

الجديد في القوى النووية الجديدة أن امتلاكها القدرة أو السلاح ليس ثمرة تطور تكنولوجي أو اقتصادي ومجتمعي عام، كما هو الحال في القوى الخمس الأصلية الرسمية بقدر ما هو ثمار تركيز واستثمار مكثف في هذه التكنولوجيا لتطوير قطاع معين دون أن ينعكس ذلك على بقية القطاعات، والاستفادة من السوق السوداء للتجارة في موادها، لإنتاج سلاح هناك قناعة إنسانية أنه غير قابل للاستخدام نظرا لحجم الدمار الذي يمكن أن يلحقه إلا لو كانت هناك حالة جنون سائدة أو لا منطق.

إذا لابد أن هناك فائدة من امتلاك هذه القدرة تبرر الإنفاق عليها بهذا السخاء من قبل بلدان ليست معروفة بقدراتها المالية الكبيرة، ومستويات دخل الفرد فيها منخفضة خاصة أن القدرة النووية لم تمنع مثلا الاتحاد السوفياتي السابق من التفكك.

وفي حالة كوريا الشمالية، وإيران، فإن القدرة النووية هي وسيلة للتفاوض للحصول على مكاسب سياسية، فبيونغ يانغ تريد إنهاء عزلتها والمقاطعة الاقتصادية وقبولا بنظامها، وذلك بعد مفاوضات لم تثمر عن شيء في إطار مجموعة الست، أما بالنسبة إلى طهران فكلام أحمدي نجاد أمس واضح عندما رفض أي تفاوض خارج وكالة الطاقة إلا على إدارة العالم.

كيف سيتصرف العالم؟ سؤال لا يزال في علم الغيب، وإن كانت كل المؤشرات تشير إلى أن الخيار الأول هو الدبلوماسية والعقوبات، والمرجح أننا سنرى دستة دول نووية جديدة خلال العقدين المقبلين مع تزايد احتمالات التهور في اللجوء إلى استخدام هذا السلاح مع زيادة الانتشار.