العراق بالتوافق أو بالاقتراع الحر؟

TT

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ألقى حجرا كبيرا في المياه السياسية اضطر الكثيرين للتعليق عليه، فهو طرح فكرة إلغاء الحكم التوافقي القائم، واعتماد نظام الحكم الانتخابي الحقيقي كما هو. والحقيقة أنه رأي سليم وكذلك كل الآراء المعارضة أيضا لها حجج منطقية تبرر الاختلاف، وبالتالي هذا نقاش لا يستوجب فحص النوايا ونثر الاتهامات، حيث قال بعضهم إنها مشروع طائفي، ووصفها آخر بوسيلة خبيثة للتحرر من الالتزامات التي أسست عليها النظام السياسي الحالي، وثالث اعتبر التمسك بالتوافقية مشروعا يخدم أغراضا شخصية، وهكذا. بل إن كل طرح من هذه الطروحات المتناقضة موجود على الأرض في أعرق النظم السياسية في العالم.

المالكي يرى أن خير خيار للعراق هو الرئاسي المباشر، فينتخب العراقيون رئيسا لكفاءته وبرنامجه لا لأنه شيعي أو سني أو كردي أو من فريق بعينه، وبالتالي يتخلص العراق من المحاصصة والطائفية. وبخلاف ذلك يرى جلال طالباني، رئيس الجمهورية، بأن النظام التوافقي الحالي أفضل لأن العراق لم يتشكل بدرجة تجعل الانتخاب الرئاسي يضمن خدمة المصلحة العامة بل يعمق الطائفية والعرقية والمناطقية، العيب المعروف والمتكرر في ديمقراطيات العالم الثالث.

حاليا العراقيون يختارون ممثليهم في البرلمان، والأغلبية المنتخبة في البرلمان تختار رئيس وزرائها. وفي الوقت نفسه هناك مقاعد موزعة مثل منصب رئيس الجمهورية عرفا للأكراد، ورئاسة البرلمان عرفا للسنة، وهكذا. نظام مشابه إلى حد كبير للمحاصصة في لبنان. وقد يكون النظام البرلماني العراقي أفضل بدون المحاصصة، أي أقرب إلى صيغة الحكم في بريطانيا، حيث إن رئيس الوزراء يأتي من حزب الأغلبية المنتصر. ميزة بريطانيا أنها بلد يهيمن عليه حزبان فقط، بعكس العراق المتعدد. ربما الصيغة الأقرب للعراق المتعدد هو النظام البرلماني الإسرائيلي لأنه متعدد جدا ويضطر دائما للتشكل من تحالفات، حيث لا يوجد واحد قادر على تحقيق الأغلبية المطلوبة للحكم. أما النظام الرئاسي، كالأميركي مثلا، فإنه يختلف عن النظام البرلماني وعسير التطبيق في بلد محصص كالعراق. حيث إن وجود رئيس يمثل أغلبية محددة سيكون محل احتجاج دائم وتبادل تهم خطيرة وقد تؤدي إلى انشقاقات تفضي إلى تقسيمه بدل توحيده.

ومع أن المالكي لم يعط تفاصيل دقيقة لفكرته، أو ربما فعل ولم أقرأها، فإن ما يقوله عن مفهوم رفض المحاصصة سليم جدا، حتى لا يورط العراقيون أنفسهم إلى مائة سنة أخرى في السير على النموذج اللبناني العقيم الذي هو، كما نرى اليوم، مصدر المشاكل بدل أن يكون منبع الاستقرار. وقد يعتقد العراقي السني أو الكردي، دع عنك الأقليات الأصغر مثل الآشوري أو الصابئي، أن المحاصصة ضمان لتأمين الوجود وحماية مصالح الأقلية التي ستضيع في بحر الأغلبية، رأي سديد نظريا لكنه عمليا ليس كذلك.

التحالفات البرلمانية لعبة جيدة للأقليات أيضا، بدليل ما يحدث في إسرائيل. كما أن الضمانات الدستورية لحقوق الأقليات والحريات هي أثمن وأضمن. على أية حال علينا أن نتذكر أن أي حل مقترح هو رهن بوجود نظام دولة صلب. ما نراه في العراق اليوم صمم لمراعاة «سلة الورد»، كما يسمي الرئيس طالباني الأطياف العراقية وهو نظام العراق اليوم يحرسه الأميركيون. فيه كل يؤدي دوره على المسرح مرتاحا للحماية، لكن الأميركيين سيغادرون غدا وحينها لا ندري مدى صلابة النظام وقدرة الأطراف المختلفة على الالتزام واحترام الوعود. حدسي أنهم سيفعلون ذلك لأن مصلحتهم تقتضي ذلك، مع أن الوعي بالمصلحة لم يكن دائما هو بوصلة العمل السياسي في العالم العربي.

[email protected]